كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
(اللَّهُ) ذو الجلال والإكرام، (يَصْطَفِي)، أي يختار من صفوة خلقه (مِنَ الْمَلائِكَة رُسُلًا) كجبريل الأمين روح القدس، اختاره ليكون رسولا لأنبيائه ورسله الذين اختارهم أيضا من صفوة عباده، فاختار سبحانه من الملائكة من يبلغون عن اللَّه تعالى مصطفين من الناس ليتلقوا رسالة الله إلى الناس، فالذين اختارهم من صفوة الملائكة ما اختارهم تعالى إلا ليبلغوا خلقه، وكل ذلك بأمر اللَّه وباختياره، وإن هؤلاء المختارين من الملائكة يبلغون إما بِالوحي وإما برسل يرسلون، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. . .).
وإن الله تعالى لَا يختار لهذا المنصب الأقدس منصب التبليغ عن اللَّه تعالى إلا من كانوا في أعلى القداسة والنزاهة النقية (. . . اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. . .)، ولذا قال تعالى مبينا أن اللَّه تعالى لَا يصطفي إلا عن علم من لَا يخفى عليه شيء، فقال: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، أي أن اللَّه عليم علما يقينيا هو علم من يسمع، فهو السميع، وعلم من يبصر فهو البصير.
ولقد أكد سبحانه إحاطة علمه فقال تعالى:
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
(مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) وهو الحاضر المهيأ، وسمي بين أيديهم، لأنه أمامهم، فشبه علم حاضر بما يكون مهيأ معدا، (وَمَاخَلْفَهُمْ) الخلف يطلق على ما هو خلف الإنسان وهو ضد القُدَّام، فهو يطلق على الماضي والقابل، وهو الذي يخلفه من بعده، ولعله من الخلافة، وقد فسر بالقابل الذي لم يقع، ويكون المعنى يعلمِ حاضرهم، وقابلهم الذي يخلف ذلك الحاضر والضمير في قوله تعالى: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)، قيل: يعود إلى الرسل، والظاهر أنه يعود إلى الذين يبلغهم الرسل فالضمير يعود إلى كل الناس، ولذا عقب الآية بقوله: (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ

الصفحة 5032