كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

الأُمُورُ)، أي أن الأمور كلها ترجع إليه وحده يوم القيامة، ليحاسب كل نفس بما كسبت، وتجد كل نفس ما عملت محضرا، من خير أو من شر، ويكون له وحده الجزاء، وفي تقديم الجار والمجرور بيان أن المرجع إليه وحده، وله وحده الحساب، وهو بكل شيء عليم.
بعد ذلك خاطب اللَّه تعالى الذين آمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
واضح كل الوضوح أن النداء للرسول وأتباعه، وليس لكل الناس، فالناس يدخلون في النداء إذا آمنوا ومن يؤمن بالرسالة المحمدية فهذا تكليفها، وهو الصلاة، واختصت بالابتداء لأنها عمود كل دين، ولا دين من غير صلاة وإن اختلفت أشكالها في الديانات السماوية وكل طريق إلى اللَّه واتجاه إليه سبحانه، ولأن الصلاة هي العبادة التي تنصرف فيها النفس والجوارح إلى اللَّه وحده، ولأنها امتلاء النفس بذكر اللَّه تعالى؛ ولأنها إذا أديت على وجهها من قيام وخشوع كامل، وضراعة صادقة، واستحضار النفس لكل معانيها، لَا تقع من الإنسان المنهيات، كما قال تعالى فى خاصتها: (. . . إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ. . .)، وخص الركوع والسجود بالطلب مع أن الصلاة لها أركان قراءة وتكبير، وركوع وسجود، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكمْ)؛ وذلك لأن الركوع والسجود هما الظهر الحسي للخضوع للَّه تعالى خضوعا كاملا، ولأنهما لَا يسقطان عن المكلف قط، فالقراءة قد تسقط عن المكلف إذا كان يصلي مؤتما بإمام قارئ، وتسقط عند العجز عن القراءة، أما الركوع والسجود فلا يسقطان فإن لم يستطع الصلاة قائما، صلى قاعدا، وإذا لم يستطع الصلاة بحركات صلى بالإيماء، وإلا فهو في عفو اللَّه، وروي أن بعض الشافعية أجاز الصلاة بالإيماء بالعينين، ولأنهما لَا يسقطان فكانا رمزا للصلاة كلها.

الصفحة 5033