كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 9)

وبعد الصلاة أمر سبحانه وتعالى بالعبادات كلها، وهذا من قبيل ذكر العام بعد الخاص، فيشمل ذكر العبادة الصوم والحج، والكفارات والنذور، والزكاة، والصدقات المنثورة، وأن يعبد اللَّه تعالى في كل عمل يعمله، بأن يقصد به وجه اللَّه تعالى، فالعامل في مصنع أو في متجر أو فلاحة الأرض يقصد وجه اللَّه ونفع الناس، فيكون في عبادة مستمرة، ويصدق عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله " (¬1).
وقد أمر سبحانه وتعالى بفعل الخير أمرا مطلقا غير مقيد ولا محدود فقال عز من قائل: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ)، الخير كل عمل يكون فيه نفع للناس، ويتفاوت الخير فيه بتقارب مقدار النفع، فالنفع الكثير يكون الخير بقدره، ونفع أكبر عدد يكون الخير كله، مع القيام بالعبادات على شتى فروعها وكل أنواعها.
وقال تعالى: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أي رجاء أن تفلحوا وتفوزوا في الدارين في الدنيا فتكونوا خير الناس، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خير الناس أنفعهم للناس " والرجاء من العباد لَا من اللَّه؛ لأن اللَّه تعالى لَا يرجو بل يعلم وينفذ. إنه عليم حكيم.
ونرى أن الآية ابتدأت بالأمر بتطهير النفوس بتوجهها إلى اللَّه تعالى في الصلاة والعبادة، ثم اتجهت الأوامر إلى نفع الجماعة وأن يكون كل واحد عنصر نفع إنساني فيها.
ثم اتجهت من بعد إلى ما فيه حماية الأمة الإسلامية ونشر دعوتها، فقال تعالى:
¬________
(¬1) سبق قريبا.
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ

الصفحة 5034