كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

السلالة: هي صفو الطين هنا، والإنسان دخل في تكوينه صفو الطين مرتين: المرة الأولى - عندما خلق آدم من تراب فكان صفو الطين في تكوينه، والثانية - أن الطين يدخل في تكوينه بعد أن صار كيانا إنسيا؛ ذلك أن غذاءه يتكون من النبات والحيوان وكلاهما من صفو الطين؛ لأن النبات ينبت من اختلاط الطين بالماء، والحيوان آكل من النبات، فكانت سلالة من طين فيه
(مِن) في قوله تعالى: (مِن سُلالَة) هي (مِن) الابتداء التي تدل على أن الإنسان يكون من سلالة طين و (مِّن) الثانية بيانية، أي من سلالة هي طين.
ولقد ذكر سبحانه خلقه بعد أن صار في أصلاب الآباء، ثم أرحام الأمهات، فقال:
(ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
العطف بـ " ثم " له موضعه؛ لأنه مر بأصلاب الآباء، ثم دفق الماء الذي هو النطفة في أرحام الأمهات، كما قال تعالى في تكوينه: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)، وقوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ)، الضمير يعود إلى الطين الذي جعل سلالته أي ما ينسل منه - نطفة.
و (جَعَلْنَاهُ) هنا بمعنى حولناه في أصلاب الآباء نطفة هي الماء الدافق الذي ألقي في أرحام الأمهات، وهذه الأرحام هي (القرار المكين) فالقرار معناه المستقر، ووصف بأنه مكين، أي أنه محكم، ما استقر فيه لَا يمكن أن يخرج منه، ووصف المستقر بأنه مكين من حيث إن ما يدخله يكون ثابتا، بل يتربى في موضعه ويتغذى حتى يحين ميقاته، فوصف الموضع بالاستقرار، والمكانة والثبات مع أن الثابت المستقر هو ما أودعه، كما يوصف الطريق بأنه سائر مع أن السائر هو الماشي فيه.
وإن الله الخلاق العليم يجعل الأرحام عندما يدفق فيها الماء يغلق عليه ويتربى فيه، ويتغذى من الدم، حتى يحين ميعاد الولادة، والأدوار التي يذكرها اللَّه تعالى بعد ذلك وهو في القرار المكين، حتى خلق خلقا جديدا فقال تعالى:

الصفحة 5052