كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

بعد أن بين اللَّه تعالى خلق الإنسان، وما فيه من عجائب تدل على قدرة اللَّه تعالى - جل وعز - أخذ يبين سبحانه وتعالى خلق ما هو أكبر من الإنسان، وما فيه حياة الإنسان ومعاشه، وما هو مسخر له في السماوات والأرض فقال تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ).
الطرائق جمع طريقة، وهي هنا بمعنى مطروقة من طرق النقل من حيث إنها مسالك، ومن طرق الخوافي في الطير، بمعنى أن كل طبقة منها فوق الطبقة الأخرى، وطرائق السماء أفلاكها، إذ كل فلك فوق الفلك الآخر وكل مربوطة بأرسان (¬1) من الجاذبية والنواميس الكونية، بحيث تكون متماسكة، كل نجم وكوكب فيها مشدود بالآخر، كأن حبلا أو سلكا يمسكه، وفسر بعض علماء الفلك هذا النص السامي بأن سبع طرائق سبعة أفلاك لكل سماء طريق يجري بما فيها من الأقمار والنجوم.
وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) أي أن هذه الطرائق بما فيها من كواكب ونجوم مسخرات بأمره سبحانه يجري كل تحت رعاية اللَّه تعالى وعينه، وهو القائم على كل شيء يسيره بأمره سبحانه إنه عليم خبير (أَلا يَعْلَمُ منْ خَلَقَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
ونفَى سبحانه وتعالى الغفلة عن ذاته العلية، وهي منفية بحكم علمه الكامل ولكن كان نفي الغفلة كناية عن كمال عنايته بخلقه، وأنه يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وأن كل الوجود تحت رعايته وعنايته، وأنه يسير بأمره، وعلى مقتضى إرادته النافذة، وحكمته العالية.
وصيغة النفي تدل على أن الغفلة ليست من شأنه تعالى، لأنه نفي الكينونة بقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ)، أي ليس من شأننا أن نغفل عن خلقنا، بل نحن قائمون عليه مراقبون له محافظون عليه،
¬________
(¬1) أرسان جمع رَسَن، وهو الحبل.

الصفحة 5057