كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

إهلاكه وقومه، حتى أمر بأن يحمد الله تعالى على نجاته منهم وقد كانوا ظالمين، وهذا كقوله تعالى: (فَقطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ)، وهكذا أمر اللَّه تعالى نوحا بأن يحمد اللَّه تعالى إذا استوى كما قال في سورة هود: (وَقَالَ ارْكَبُوا فيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ ربِي لَغَفُورٌ رحِيمٌ)، كما أمره سبحانه وتعالي أن يدعو اللَّه في قابل أمره شاكرا حامدا، فقال تعالى:
(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
الخطاب لنوح عليه السلام، وصوره: بـ (رَبِّ) للإشارة إلى أنه إذ نجاه لا يصح أن يلجأ إلا لعنايته وكلاءته وحمايته (أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا) المنزل هنا بمعنى المصدر، لَا بمعنى المكان، أي أنزلني إنزالا فيه خير ونماء وبركة، بأن يثبت اللَّه تعالى قلوب الذين آمنوا على الحق، وقد رأوا بأعينهم عاقبة الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ومعاندة الحق، وقد بارك سبحانه من معه، فجعل منهم ذرية الخليقة فكان بحق الأب الثاني للإنسانية، وقد أثنى على ربه بما هو حقه، (وأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلينَ)، أي أنت الذي تنزل منازل أعلى ما يكون الإنزال المبارك.
وقد بين سبحانه وتعالى العبرة في هذا قصص المحكم الخاص بنوح وقومه، فقال عز من قائل:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
أي أن في ذلك القصص الخاص بنوح وقومه، وكيف أرهقوه من أمر الرسالة عسرا، لآيات وعبر للذين يستبصرون، ويدركون أن الأمور البالية يتعرض أصحابها للمشقات من أهل الباطل والضلال، وقد كان إحجام الضالين أولا لأنه بشر مثلهم، ولأنهم ينكرون البعث ولا يؤمنون به، ولأنه اتبعه الضعفاء والفقراء الذين ازدرتهم أعين المستكبرين، وهكذا مما ابتليت به أنت، وكانت الآية الأخيرة أن الله تعالى أغرقهم، وقطع دابر الذين ظلموا، وفيه آية سامية في علوها وهي أن الزلفى عند اللَّه بالحق والإيمان به، لَا بالقرابة فهذا ابن نوح كان من المغرقين مع أنه أقرب الناس إلى نوح.
وإن من فضل اللَّه تعالى وشأنه أن يعامل الأخيار معاملة المختبرين، ولذا قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) إن هنا هي المخففة من الثقيلة، وإنها ضمير الشأن،

الصفحة 5067