كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

تعددوا هم كرسول واحد، وذكرت الدعوة بالصيغة التي ذكرت بها دعوة نوح عليه السلام: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) و (أَن) هنا تفسيرية؛ لأن ما بعدها تفسير لـ (فَأَرْسَلْنَا)، أي أرسلناهم بأن يقولوا اعبدوا اللَّه ما لكم من إله غيره. أي ليس لكم من إله أي إله غيره، (أَفَلا تَتَّقونَ)، وقد تقدم ذكر معناها قريبًا، ولقد ذكر سبحانه أن الرسول منهم يعرفونه ويألفونه، ويكون من أوسطهم نسبا، وأعلاهم مكانة، ولقد كان رد قومه عليه - وهو مثل من الرسل الذين جاءوا بعد نوح - كرد قوم نوح فقال تعالى عنهم:
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)
وصف الله الذين كفروا وكذبوا بثلاث صفات هي الصفات الملازمة لمعارضي الأنبياء ومعانديهم، الصفة الأولى: أنهم من الملأ، أي من أشراف قومه وبطانة الرؤساء والكبراء، وليسوا من الضعفاء ولا الفقراء والعبيد، الصفة الثانية: أنهم كذبوا بلقاء الآخرة، لَا يؤمنون بالبعث والنشور؛ لأنهم استغرقتهم المادة، فلا يؤمنون بالبعث، ولا يصدقون إلا المحسوس الذي يرونه، ومن لَا يؤمن إلا بما يحس فقلبه أعمى وعقله في ضلال، وهو كالأنعام بل أضل سبيلا، وقوله تعالى: (وَكَذبُوا بِلِقَاءِ الآخِرةِ) من إضافة المصدر إلى ظرفه، أي اللقاء الذي يكون في الآخرة، وهو لقاء الحساب والعقاب والثواب، ولقاء ملائكة العذاب، أي أنه يلقى كل في الآخرة كل ما هو شقاء مرهوب.
والصفة الثالثة: قوله تعالى (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) والترف التوسع في النعيم، وأترفوا في الحياة الدنيا معناها وسع لهم فيها، ونالوا نعيمها، وذكر (الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) إشارة إلى أنهم ينعمون في الحياة الدنيا، ولم يلهموا شكر النعمة فيها؛ لأنهم لو ألهموا الشكر، لوسعت عليهم النعمة في الدنيا والآخرة.
وذكر الإتراف في هذه الحياة الدنيا؛ لأن الترف فيها لَا يجعلهم يعملون للآخرة؛ إذ تلهيهم أموالهم وأولادهم عن العمل للآخرة، كما قال الله تعالى

الصفحة 5070