كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

للكافرين: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)؛
ولأن الترف من غير إيمان يجعل النفس مائعة غير جادة إلا فيما يعني جمع المال؛ ولأن كثرة المادة تمنع إدراك معاني الإيمان لأن المادة تستغرق الإدراك، وأساس الإيمان هو الإيمان بالغيب، وبما وراء الحس، ولا يكون ذلك إلا بقلب مملوء بالرحمة والمعاني الإنسانية السامية.
ومع هذه الأوصاف نجد سبب إنكارهم أنه بشر مثلهم، فيقولون في تكذيبهم:
(مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) فهم أولا يحكمون بالمثلية لهم، وفي ذلك إشعار بأنهم ينفسون عليه مكانته من النبوة دونهم، وأن ذلك يومئ بحقدهم عليه، وحسدهم له على ما آتاه اللَّه تعالى من فضله، ووضحوا هذه المثلية بقوله تعالى عنهم: (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) فأقيستهم مادية صرفة، ولا يؤمنون بمعنى من المعاني العالية، ولقد قرروا خسرانهم إن أطاعوا بشرًا مثلهم، فقال تعالى حاكيا عنهم:
(وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)
أكدوا من فرط حسدهم خسرانهم إن أطاعوا بشرا مثلهم، وأكدوه بلام القسم، وبالقسم، وبالتأكيد في الجواب بـ (إن) أوبلام التوكيد الواقعة في جواب (إن)، وإنهم في زعمهم يخسرون مكانتهم في قومهم وشرفهم المزعوم في قبيلهم، وسلطانهم في أقوامهم، ويصيرون تابعين لمثلهم، وهم المتبوعون في أقوامهم، وذلك كله غرور الترف، وفساد المقاييس، وسيطرة المادة.
ويذكرون بعد ذلك أشد ما يدعوهم استنكارا، وهو وعدهم بالبعث، فيقول تعالى عنهم:
(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
كانت المادة الأولى لإنكارهم التي سوغت كفرهم أنه بشر مثلهم، ثم كانت المادة الثانية أنه يعدهم بأنهم سيبعثون، قالوا مستنكرين ومستبعدين: (أَيَعِدُكمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ) الاستفهام للإنكار، أي استنكار هذا الوعد، لإنكار الواقع، فهو في معنى التوبيخ للنبيين على هذا الوعد الذي وعدوه، والذي هو جزء من رسالتهم، ويذكرون سبب الإنكار في أمرين:

الصفحة 5071