كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ْأولا - أنهم ماتوا.
والثاني - أنهم صاروا ترابا وعظاما بالية، وهي رميم، وإن ذلك يجعل الإعادة في نظرهم مستحيلة؛ لأن الأرواح زهقت بالموت، والأجسام بليت، ونسوا أن الذي بدأهم وأنشاهم من العدم، كما قال سبحانه: (كمَا بَدَأَكُمْ تَعودُونَ)، وأن الذي فطرهم أولا هو الذي يعيدهم ثانية. ويزيدون في استبعادهم أو إنكارهم أنهم مخرجون من دفائن القبور إلى ظاهر الوجود، وكل ذلك من سيطرة المادة.
ويؤكدون ذلك فيقولون:
(هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
(هَيْهَاتَ) يقول النحويون: إنها اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ، وقد أكدوا البعد بالتوكيد اللفظي بتكرار الكلمة، كما أكد الاستبعاد باللام في قوله تعالى: (لِمَا تُوعَدُونَ) فكأن مضمون الكلام البعد المؤكد لما توعدون، أي الذي توعدونه من بعث ونشور وعقاب وحساب، كاللام في قوله تعالى: (هَيْتَ لَكَ. . .)، أي النداء لك أو لإغرائك.
وهكذا قد غشيت المادة تفكيرهم، حتى صاروا لَا يفكرون إلا عن طريقها، ويستبعدون بأهوائهم، ولا يفكرون بعقولهم، ويؤكدون إنكار البعث، فيقولون كما حكى اللَّه تعالى عنهم بقوله:
(إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
فصلت هذه الجملة عما قبلها؛ لأنها في معنى البيان لها، وتوكيدها، وقد انتقلوا من مرتبة الإنكار، إلى مرتبة ادعاء النقيض وادعاء أنه لَا حياة بعد هذه الحياة قالوا: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) فإن نافية، ففي الجملة نفي وإيجاب، وهذا يفيد القصر، أي لَا حياة إلا هذه الحياة الدنيا، والدنيا مؤنث أدنى، أي هذه الدنيا القريبة وليست الحياة البعيدة (هِيَ) - تفيد التوكيد، إذ مضمونها أن هذه الحياة وحدها.

الصفحة 5072