كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(نَمُوتُ وَنَحْيَا) أي يولد من يولد، ويموت من يموت، ويحيا بالميلاد من يحيا، كما نرى الموتى والأحياء، فهم يقرون بالواقع المحسوس فقط، ليموت من يموت، ولا يعود، ويولد من يولد فيحيا ثم يموت، ولا عود لمن مات، ولذا حكى عنهم أنهم يقولون: (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعوثِينَ) أكدوا النفي بالباء، وبنفي الوصف، أي ليس من شأننا أن نبعث؛ لأن من مات لَا يعود؛ ولأنه لَا تحيا العظام بعد أن صارت رميما.
بعد هذا الإنكار الذي من شأن الذين كذبوا بلقاء الآخرة ينتقلون من مرتبة الإنكار المجرد، إلى مرتبة التهجم على مقام الرسالة، فيقولون:
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)
الافتراء: الاختلاق؛ لأنه افتعال من فرى بمعنى قطع، أي أنه قطع واشتد في اختلاق الكذب، بما قال من قول بعيد عن معقولهم وأهوائهم، وادعوا أنه افتراء الكذب على اللَّه تعالى، وهو أعظم الافتراء، (إِنْ) نافية، وبعدها الاستثناء فهو نفي وإيجاب، ومعنى ذلك أنهم قصروا حال الرسول على افتراء الكذب على اللَّه تعالى، وكأن عبارتهم فيها نوع تحقير لرسولهم، إذ يقولون: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ) من غير أن يذكروا اسمه، أو رسالته، ويحصرونه في الافتراء عليه سبحانه، ثم يردفون ذلك مؤكدين كفرهم (وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ)، أي ما نحن بمذعنين لقوله ولا مصدقين به، ولتضمن الإيمان معنى الإذعان والتسليم عدي باللام، أي ما نحن بمصدقين، ولا مذعنين له.
كان كلامهم هذا إيذانا بالإيذاء، وقد هددوه، ولذا يتجه الرسول إلى من أرسله، فيطلب نصره:
(قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)
اتجه الرسول، وهو أي رسول جاء بعد نوح، فهم في معاندة الكافرين لهم، والتجائهم إلى ربهم بسبب صورة واحدة تكررت في القرون التي جاءت بعده عليه

الصفحة 5073