كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

السلام، تبين طبائع بعض الناس في تلقي الحق، وتبين صبر الرسل، وبقاء العنت من أقوامهم. ونادى ربه الحافظ الكالئ الحامي، (انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ)، أي التكذيب، وما تبع التكذيب من إعنات وإيذاء، ومقاومة عنيفة آثمة، فطلب النصرة لا يكون من التكذيب المجرد، إنما يكون مما يصحبه ويكون ملازما له.
أجابه ربه بأن نصره قريب فقال له:
(قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
(عَمَّا) هنا لتأكيد القول، ولبيان القلة الزمنية التي تكون حتى ينزل عليهم عذاب اللَّه الساحق الماحق، أي عن قليل من الزمن متجاوزين عنه أي تاركين له أي قلة في غيهم يرتعون (لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِين) على كفرهم وعلى عنادهم، وصدهم عن سبيل الله بعد مقاومتهم للحق.
وقد تأكد نزول العذاب بهم بمؤكدات، فأكد أولا - بـ " مَا "، المؤكدة، وثانيا - بالقسم، وثالثا - لام القسم، ورابعا - نون التوكيد الثقيلة، وقد بين سبحانه كيف نزل بهم العذاب، فعبر عن أمر اللَّه بعذابهم بصيحة أرجفت أرضهم وديارهم، وجاءتهم بريح صرصر عاتية، فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
" الفاء " عاطفة على القسم السابق جاء ما بعده فوره، أي بعد زمن ليس ببعيد في علم، والصيحة بالحق هي إرادة اللَّه التي تكون بالحق دائما، فهي كناية عن إرادة اللَّه تعالى التي لَا يتخلف حكمها ساعة من زمان، وكانت هذه الإرادة تتجلى في رجفة تجعل عالي الأرض سافلها، أو تدكدك الديار، أو بريح صرصر عاتية، كما فعل اللَّه مع قوم لوط وعاد وثمود.
وقوله تعالى: (فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) تعبير مجازي مؤداه أنه نزلت بهم آثارها التي أرادها اللَّه تعالى بهم، وقد شبهت الصيحة بسبع: التهمهم وأخذهم؛ لأنها لم تُبقِ منهم ولم تذر، وقال تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً) الفاء عاطفة على (فَأخَذَتْهمُ)،

الصفحة 5074