كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)
الفاء عاطفة ما بعدها على (فَاسْتَكْبَرُوا)، وقولهم (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا) الاستفهام هنا للإنكار بمعنى النفي مع الإنكار الشديد، فالمعنى لَا نؤمن ولا نذعن لبشرين مثلنا، وقد سببوا كفرهم بسببين.
أولهما - أنهما مثلهم في البشرية، وكأنهم تصوروا أن الرسالة الإلهية لَا تكون لبشر، وقد لفوا في هذا لف غيرهم من المشركين الذين مر ذكرهم.
والثاني - أن قومهما - وهم بنو إسرائيل - لهم عابدون، أي خاضعون خضوعا مطلقا قد استذلوهم وذبحوا أبناءهم واستحيوا نساءهم، وعبَّدوهم، كما فرض فرعون على المصريين أن يعبدوه، وقال لهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيرِي. . .)، ومهما يكن فهم كانوا يعدونهم دونهم، كما يعد القوي دائما الضعيف الذليل دونه قدرا ومكانا.
(فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)
" الفاء " للإفصاح، والمعنى إذا كان ذلك قولهم فقد كذبوهما، وكفروا برسالة موسى - عليه السلام - مع توالي الآيات المثبتة لرسالته، ومع غلبه عليهم، وقد جمعوا الجموع من المدائن حاشرين، ولذلك كانوا مهلكين، ولذا قال تعالى: (فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) أي فرعون وملؤه وجيوشه، فقد فتح البحر لبني إسرائيل، فكان كل فرق كالطود العظيم، فسار فرعون وملؤه وجنده فانطبق عليهم، فكانوا من المغرقين، ونجا المصريون الذين لم يكونوا من ملته ولا من جنده.
وإن حكم فرعون كان يقوم على إرادته المنفردة، فما أراده فهو قانون، يفرض بالقسر والقوة، فعندما بعث فيهم موسى بين لهم أن القانون من الله، لَا من فرعون وأشباهه، وأنه أتى لهم بهذا القانون في التوراة، ولذا قال تعالى:
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
أكد الله تعالى أنه أعطاهم كتابا ينظم العلاقة بين الناس بعضهم مع بعض، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وينظم الأسرة، ويقيم العلاقات بين آحادها، وأكد

الصفحة 5079