كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
الزبر جمع زبرة أو اسم جنس جمعي، وهو الذي يفرق فيه بين المفرد والجمع بالتاء أو بياء النسب، كروم ورومي، والزبرة قطعة من الحديد، وقد شبهت الجماعات المختلفة في نزاعها بزبر الحديد، من حيث إن كل واحدة شديدة في التمسك بما عندها كأنها صلب الحديد، لَا تترك رأيها، كما لَا تتفرق زبر الحديد.
أي اختلفوا متقطعين متنابزين غير مجتمعين في أمرهم، بحيث لَا متسع للالتقاء فيما بينهم، يتحزبون في تفكيرهم: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، أي كل جماعة متحزبة متعصبة لما عندها، فرحة به، وتحسب أنه الحق الذي لَا ريب فيه، وهو الضلال المبين، وإن التحزب لفكرة يدفع إلى التعصب لها، والتعصب يعمي ويصم، وتقديم الجار والمجرور - بما لديهم - لبيان أهميته عندهم.
وهنا ننبه إلى أن الفاء في قوله: (فَتَقَطَّعُوا) فاء السببية، وهي بهذا المعنى يرجح أن معنى الأمة ما بدر لنا، وتبعا أن يكون معناها: دين التوحيد؛ لأنه لا يترتب عليه التقاطع والتفرق.
(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والضمير يعود إلى المشركين، فإنهم حاضرون في ذهن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنهم في كفرهم وعنادهم موضوع القول، وتسرية اللَّه لنبيه لأجل أذاهم المستمر اللحوح، والغمرة الماء الكثير الذي يغمر من ينزل فيه، والمراد الجهالة، أي ذرهم في جهالتهم التي غطت عقولهم وفكرهم كما تغطي الغمرة: التي تغطي أجسامهم، وإن جهالتهم هذه جعلتهم في حيرة بين حق رأوا دلائله، وباطل قد استولى على نفوسهم، وقوله تعالى: (حَتَّى حِينٍ) إلى حين ليس ببعيد، وإنه لقريب؛ لأنه واقع، وكل واقع قريب مهما يتباعد زمانه.
والفاء فاء الإفصاح، والمعنى إذا كانوا قد أعرضوا عن الحق، ولجوا في إعراضهم جهالة وحيرة فذرهم حتى حين، والحين الذي ينتهي عنده انتظار أمر الله

الصفحة 5084