كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

هو ما بعد الهجرة، ولقاؤهم في ميدان القتال، ويكون دفع ظلمهم ووقفهم عند حدودهم، ولا يصح أن يظنوا أن مالهم وأولادهم تغني عنهم شيئا، ولذا قال تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) هذه الآية الكريمة متصلة بما قبلها؛ إذ مغزى الآية السابقة أن اللَّه تعالى ينذرهم بأنهم بعد حين سيتسلط عليهم العباد المؤمنون، وإذا كانت نقمة اللَّه تعالى نازلة بهم لَا محالة على أيدي عباد اللَّه الصابرين، فلا يصح أن يظنوا أن اللَّه يسارع لهم في الخيرات،
(أَيَحْسَبُونَ) الاستفهام للاستنكار بمعنى النفي مع رميهم بالجهل والغرور، أي لَا يحسبون أن الذي نمدهم من مال وبنين، وكل أسباب القوة مسارعة لهم في خير لهم، إنما هو مطاولة، وإمهال من غير إهمال،
(بَل لَا يَشْعُرُونَ) بل للإضراب، أي إضراب عن هذا الزعم الذي يزعمونه، والحسبان الذي يظنون، إنما هم لَا يشعرون، أي لَا يشعرون بما يرتكبون من جرائم، ولا يشعرون بأن عذاب اللَّه واقع، ولذا لَا يستعدون.
ولقد ذكر بعد ذلك المؤمنين فقال عز من قائل:
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
الخشية خوف يشوبه تعظيم، والإشفاق خوف تشوبه محبة، وكذلك شأن المؤمن فهو يخاف اللَّه ويعظمه، ويحبه، فهو يحب اللَّه تعالى، ويحبه اللَّه تعالى، وهو يعظم اللَّه تعالى، ويخاف عذابه، فهو يستكثر أخطاءه، ويخاف العقاب، ولذلك كان من شأن أهل الإيمان أن يغلب في نفوسهم خوف العقاب على رجاء الثواب، وقد أكد سبحانه خشية المؤمنين وإشفاقهم بمؤكدات:
أولها - (إِنَّ) فهي لتوكيد الكلام.
وثانيها - ضمير الفصل (هُم).

الصفحة 5085