كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

والصفات التي اتصف بها المؤمنون، والأعمال التي يقومون بها في الطاقة، والعمل عن سعة ويسر وسهولة إلا على الذين لَا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر.
وإن كل عمل خيرا أو شرا في إحصاء دقيق لَا يتخلف عنه شيء، ولذا قال تعالى: (وَلَدَيْنَا كتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ) قالوا: إنه كتاب الأعمال الذي يحصى فيه كل عمل خيرا كان أو شرا، ويصح أن نقول: إن ذلك تصوير لعلم اللَّه بما يفعله كل إنسان، ويوم القيامة يجده محضرا يخبر به ويحاسب عليه، لَا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وصور اللَّه سبحانه وتعالى إحصاء أعماله كله كأنها تنطق به متلبسة بالحق مخالطة له غير بعيدة، وأكد سبحانه أنهم لَا يظلمون، فقال: (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، فلا ينقص من خير فعلوه، ولا يزاد على سيئاتهم سيئات، بل إن اللَّه يعفو عن السيئات إذا كثرت الحسنات: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. . .).
هذه صفات المؤمنين وعقباها جاء بها سبحانه وسط وصف الكافرين، واستكبارهم ليكون المؤمنون مجال اعتبارة وليمكن لهم، ثم أخذ سبحانه يتمم بيان ضلال الكافرين، فقال تعالى:
(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
الإضراب هنا فيه بيان أنهم لَا ينتفعون بالعظات والعبر، ولا يستبصرون بهداية المهتدين، ولا يترفون مال الحق وأهله، ولا مآل الباطل وأهله (فِي غَمْرَةٍ منْ هَذَا) الغمرة أصلها ما يغمر الإنسان من الماء، وقد فسر بعضهم الغمرة بالغفلة التي غمرتهم، وهو تفسير حسن، وقد غفلوا أولا عن الكتاب الذي يكتب الحسنات والسيئات، أو علم اللَّه تعالى الذي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها، وغفلوا عن رقابة اللَّه تعالى لأعمالهم وغفلوا عن أعمال المؤمنين واستقامة قلوبهم، وهم أناس مثلهم، قد سبقوهم في الفضل وشرف الإيمان، والمسارعة في الخيرات والسبق فيها، وأنهم قد سارعوا في الكفر، كما سارع المؤمنون في الخيرات، وسبقوا إليها،

الصفحة 5089