كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

فكان لهم في الكفر أعمال كثيرة منها: أنهم حرموا على أنفسهم ما لم يحرم اللَّه تعالى، كما حرموا السائبة والوصيلة والبحيرة. . .، ومنها: أنهم جعلوا للأوثان نصيبا من الحرث، ومنها: أنهم صدوا عن سبيل اللَّه، ومنها: أنهم فتنوا المؤمنين في دينهم، ومنها: أنهم آذوهم وأخرجوهم، ومنها: أن رءوسهم صارت عشا للخرافات والأوهام؛ ولذا قال تعالى: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ من دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) وقد أشرنا إلى بعض هذه الأعمال. ومنها: طوافهم بالبيت عراة، وادعاؤهم أن اللَّه تعالى أمر بها (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا. . .)، وقوله تعالى:
(مِّن دُونِ ذَلِكَ) الإشارة إلى الشرك والكفر بآيات اللَّه تعالى، وإنكار التوحيد، و (مِّن) بيانية، (دُونِ) أي غيرها وأدنى منها درجة في التكليف، وأنهم مستمرون، وهذا معنى قوله تعالى: (هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) فالجملة حالية من ضمير " لها "، أي والحال أنهم مستمرون على هذه الأعمال غير منقطعين عنها فهم في ضلال مستمر.
(حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)
حتى للغاية، والمعنى: فهم في غفلتهم المستمرة الغامرة الحق بالباطل لا يستبصرون ولا يتيقظون، ولا ينبههم إلا قارعة تقرعهم؛ ولذا قال:
(حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ) فتقرعهم القارعة، أي أنهم غافلون، حتى تنبههم من الغفلة قارعة تمس المترفين، وخص المترفين بالذكر، مع أن القارعة تعمهم وغيرهم إذ المهلكات تعم، ولا تخص المترفين منهم. خص المترفين؛ لأنهم أصل الإنكار الذين تلهيهم الغفلة عن الحق، أو يلهبهم ما هم فيه من ترف عن أن يدركوا الحق؛ لأنهم لا شدائد تنبههم، فالشدائد ترهف المدارك، وتوقظ الأفهام، ولأنهم لَا يصبرون على الابتلاء، بل يخرون صاغرين أمام أي شدة، أو كارثة تكرثهم؛ ولذا قال: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) (إِذَا) للمفاجأة، والمفاجأة تحوُّل حالهم من استكبار واعتزاز وغفلة إلى صغار وتنبه، وضراعة، فالجؤار مصدر جأر وهو رفع الصوت بالضراعة والاستغاثة.

الصفحة 5090