كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
(مُسْتَكْبِرِينَ) حال من " الواو " في (تَنكِصُونَ)، وهي تفرقة واضحة بين حالين، إحداهما تململهم عند سماع الحق حتى إنهم ينكصون على أعقابهم عند سماعهم، وحالهم وهم يجأرون ضارعين صاغرين عندما يؤخذون ببعض العذاب الذي يستحقون.
وقوله تعالى: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) الضمير في (بِهِ) يعود إلى القرآن الذي تتلى آياته، مستكبرين استكبارا مصاحبا لسماعه، أي متعالين على القرآن نفسه، أو متعالين بسببه لأنهم لم يذعنوا لحقائقه، ويصح أن يكون متعلقا بـ (سَامِرًا) أي جاعلين القرآن موضع سمرهم حول الكعبة، (تهْجُرُونَ) (¬1)، أي يقولون الهجر من القول الفاحش، أي أنهم مع نكوصهم على أعقابهم عند سماع تلاوته يجعلون الطعن فيه وسب النبي - صلى الله عليه وسلم - موضع سمرهم وقولهم الهَجْر من القول الفاحش، وقرئ يُهجرون، وبضم الياء وماضيها " أهجر " أي دخل في هجر القول.
وخلاصة المعنى على هذا أنهم ينكصون معرضين عند سماع التلاوة مستكبرين سامرا به بهجر القول، أي لَا سمر لهم إلا السخرية به وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - ناطقين بالهجر الفاحش من القول، ومع ذلك يجأرون ضارعين عندما يأخذهم عذاب يفجأهم أو كارثة تكرثهم، وكان حقا عليهم أن يتدبروا القرآن بدل أن يعرضوا عنه ويتخذوه موضوعا لسمرهم وهجرهم.
¬________
(¬1) قراءة (تُهجِرون) بضم التاء وكسر الجيم: نافع، وقرأ الباقون بفتح التاء وضم الجيم. غاية الاختصار: 2/ 584.
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)
الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقديم؛ لأن الاستفهام له الصدارة، ومؤدى القول أنهم قد نكصوا على أعقابهم ثم جأروا عندما اشتدت بهم الشديدة، أفما كان أولى من هذا أن يتدبروا القول بأن يتدبروا ما تلى عليهم ويتعرفوا معانيه، أم أنه جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، فـ (أَمْ) على هذا هي التي تكون للمعادلة بين أمرين، والاستفهام هنا لاستنكار المعادلة، والمعنى ألم

الصفحة 5093