كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

يتدبروا ما سمعوا من آيات تتلى أم أنهم جعلوا هذه الآية في منزلة ما جاء به آباؤهم فما دامت لم يجئ بها آباؤهم فهي في موضع الإنكار، وفي هذا توبيخ لهم من ناحيتين:
أولاهما - أنهم مقلدون لَا يفكرون بعقولهم تفكير موازنة بين حق وباطل.
وثانيهما - أنهم مقلدون آباءهم، ولو كان آباؤهم لَا يعقلون شيئًا ولا يهتدون.
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
(أَمْ) تتضمن معنى بل، والاستفهام الإنكاري، و " بل " معناها الإضراب، فالكلام فيه إضراب انتقالي، والمعنى نضرب عن هذا، ونسألهم ألم تعرفوا رسولكم فأنتم له منكرون، ومؤدى هذا التساؤل أنكم قد عرفتم رسولكم، فقد نشأ بينكم، وعرفتم صدقه وعدله واتزان فكره، وسلامة طبعه، وضئضئ نسبه، وأنه من أوسطكم، وأنه الأمين بينكم فكيف تنكرون رسالته، وتنكرون شخصه، وهو الأمين النسيب فيكم، وأرجح رجالكم عقلا.
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)
(أَمْ) تدل على الإضراب والاستفهام معا، وهو إضراب انتقالي يضرب بها عن الكلام قبله، وينتقل إلى استفهام جديد، ولا شك أنهم يعرفون أمانته وصدقه، واستقامة نفسه وخلقه وعقله، وطبعه، ولا يتحول ذلك إلا إذا اضطرب كيانه العقلي والنفسي، وأصيب بجنون، والمعنى أيقولون به جنة؛ أي أتحول عن طبيعته، وأصابه جنون، وهو يقول القول الحكيم، ويتصرف التصرف الحكيم، فلم يكن به جنون، بل زاد بالبعث عقلا وعلما، وإنما هو الكراهية للحق، ولذا قال: (بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، (بَلْ) للإضراب عن كل ما سبق فهم يعرفون إعجاز القرآن وقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، وإذا لم يتدبروا القول، فهو يقرعهم بالحجة، وهم يعرفون الأمانة عنده، وهم لَا يقولون صادقين إنه مجنون، ليس هذا ولا شيء منه، ولكن الحق ثقل عليهم، وقد جاء به ليبطل عبادة الأوثان وتحريمهم

الصفحة 5094