كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ما أحل اللَّه، وأكثر أهل مكة كارهون للحق: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ. . .)، وإن هو إلا الهوى سيطر عليهم واتخذوا إلههم هواهم؛ ولذا قال تعالى:
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
الهوى ينبعث من مصدرين:
أولهما - الشهوة والسيطرة التي قد تجمح بصاحبها عن مناهج السداد، وموضع الاستقامة، والتي تضل معها الأفهام والعقول.
وثانيهما - سيطرة الأهواء، فيتخيل ثم يخال، وإن هذين الأمرين لَا يقوم بهما أمر صالح للبقاء، فالشهوات نزعات ولا تكون معها إلا لذات وقتية لَا تدوم، بل تنتهي بانتهاء وقتها؛ فلذة الخمر تنتهي بانتهاء وقتها، وكذلك كل لذة جسمية تنفعل بها النفس لَا تدوم، وشهوات الناس مختلفة، فيكون التضاد بين الناس والتنازع المستمر، والتناحر القاتل، كما نرى الآن في أمم أوربا وخاصة أمريكا، ثم الأوهام من شأنها أن تصور ما ليس واقعا كأنه واقع، ويتخيل الشخص، ثم يخال.
هذا هو الهوى، وأهواء العرب، كانت انحرافا فكريا أدى إلى استحسان الشر، وضعفا عقليا أدى إلى اتباع الآباء ولو كانوا لَا يعقلون شيئا، مما أدى إلى تحريم ما أحل اللَّه، وأدى إلى الطواف عرايا، للتخلص من نجاسة الثياب المعنوية، كما توهموا، وأدى إلى قتل أبنائهم ووأد بناتهم، وإلى استباحة أكل أموال الناس بالباطل.
هذه هي الأهواء ما كان معروفا منها بعضه عند العرب، أما الحق فإن مصدره العقل، والعقل يقوم على ثلاثة أمور:
أولها - الميزان بين الأشياء والأفعال فيتخير أنقاها وأثبتها وأصلحها، وأكثرها نفعا.

الصفحة 5095