كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وقوله تعالى: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) " الفاء، للإفصاح، والاستكانة معناها كما أشار الراغب، وبين الزمخشري: الانتقال من كون إلى كون، وحال إلى حال، فهي افتعل من كان، أي فيما انتقلوا من الكَوْن الذي هم فيه وهو الكفر إلى الكون الذي يدعوهم رسولهم إليه، وهو الإيمان باللَّه ورسوله (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) أي لم ينتقلوا إلى كَوْن الإيمان، وما اتجهوا بالضراعة الدائمة المتجددة للَّه تعالى المستمرة شأن المؤمنين الضارعين لربهم، وكان نفي المضارع لنفي تجدد الضراعة ودوامها في كل أحوال الشخص، لَا في وقت الشدة فقط.
وقوله: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ)، معناها أخذناهم متلبسين بالعذاب، أي أنه سبحانه أخذهم، وهم في حال العذاب وأنقذهم، ومع ذلك استمروا على كفرهم، وأنهم يستمرون في غيهم حتى يجيئهم العذاب الذي لَا يزول؛ ولذا قال تعالى:
(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)
سار الزمخشري على المنهاج الذي ارتضاه في الآيات الثلاث، وهو أن موضوع الآيات أهل مكة، فذكر أن الباب الذي فتحه اللَّه تعالى هو الجوع، وذكر أنه أشد الأبواب.
ونحن على رأينا، وهو أن الآيات وصف للمشركين في الشدائد تنزل بهم، والكفر المستمر الذي يلابسهم في كل أحوالهم، ويكون الباب الذي يفتح عليهم من العذاب ولا يغلق - يوم القيامة.
(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ. . .).
(حَتَّى) هنا تفريعية لَا غائية أي يتفرع عن هذا اللهو الذي هم فيه سائرون، لا تنزع بهم الشدائد عن شرهم أن يُفاجَأوا إذا جاء باب من الشدة لَا يغلق، ولا يرجى أن يغلق، وهو يوم القيامة، وسماه سبحانه بابًا ذا عذاب شديد؛ لأنه كالباب الذي كان مسدودا، ثم فتحه اللَّه تعالى فلا يسد أبدا، فهو باب ابتدأ بالبعث والنشور، ثم ثنى سبحانه بالحساب وأعمالهم تنطق عليهم بآثامهم، وإنها لتنطق

الصفحة 5102