كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

بالحق، ثم ختم بالإلقاء في الجحيم، وكل هذا تصوير لحالهم من حيث إنهم كانوا كلما نزلت بهم شديدة رجوا بعدها نجاة حتى جاءهم ما لَا ينتهي ولا يسد أبدا، وهو يوم القيامة، وسمي بابا؛ لأنه يفتح، وينتهي إلى الجحيم التي فيها يُسَجرون.
ويقول سبحانه: (إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) الضمير يعود إلى الباب، ويقصد ما وراءه مما يدخلون فيه (مُبْلِسُونَ) أي متحيرون، كما يقول الله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)، وقال تعالى: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)، والإبلاس كما أشرنا هو الحيرة الشديدة مع اليأس الذي لا رجاء فيه.
بعد ذلك بين سبحانه إنشاءه للإنسان، وإنه أنشأ له حواسه التي بها يحس، وعقله الذي به يدرك، ولكنه كفر بهذه النعم، فقال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78)
بين الله سبحانه وتعالى أنه منحهم أسباب الإدراك، ولم يدركوا، ولم يشكروا اللَّه تعالى على ما أنعم، فهو سبحانه وتعالى أنشأ لكم السمع لتسمعوا الخير وتدركوه، ولتسمعوا آيات الله تعالى في الرعد، فترهبوه، ولتسمعوا النذر فتتقوا، ولتسمعوا المبشرات فترجوه. والأبصار: وهي جمع بصر، لتبصروا الكون وما فيه، فتبصروا الشمس والقمر، والنجوم في أبراجها، والماء ينزل فينبت الزرع، وتكون الأرض ذات منظر بهيج، وجمع الأبصار، ولم يأت بها مفردة كالسمع لتعدد المبصرات وتغايرها وتكاثرها، وفي كل مبصر منها آية تدل على وحدانية الله وقدرته، وكل مبصر له حيز وشكل وصور مختلفة، ولبيان أن في المبصرات مناظر مختلفة تسوغ تعدد البصر لأجلها.
والأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، والعرب كانت تجعل موضع الإدراك والتفكير القلب، وأنه عند التحقيق أوسع إدراكا من العقل؛ لأن القلب يشعر ويحس ويتصور، وفي الشعور علم، والعقل يدرك ويتصور ويربط الأسباب بالنتائج، ويقيس بين الأشياء، وجمع الأفئدة؛ لتعدد المدركات، وسموها أو انحدارها.

الصفحة 5103