كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

قال اللَّه تعالى مخاطبا نبيه آمرا له:
(قُل لمِنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ) الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يواجههم بالحقائق وما يترتب على العلم بها، ولمن الأرض؛ أي من يملك الأرض ومن عليها من العقلاء ملكية كاملة بالخلق والإنشاء والتكوين؛ أمره أن يسألهم عن ذات الأرض، وعن العقلاء فيها، ولكن لم يسأل عن غير العقلاء من الدواب، وما في باطنها من معادن وفلزات، وما في بحارها من جواهر كريمة، ونقول: إن كلمة الأرض شملت بعمومها كل ما على ظاهرها من نبات وحيوان وجماد، وما في جوفها من فلزات سائلة وغير سائلة ومعادن أكثرها في باطنها. ولأن الملكية وإن وقعت على العقلاء باعترافهم فهي على غيرهم تثبت بالأولى؛ لأن غير العقلاء أشياء تشترى وتباع، فهي أولى بالملكية، ويعلق النبي - بأمر اللَّه - الإجابة على علمهم، والتعليق يومئ إلى علمهم وأنه حقيقة، ولكن ذكر بـ " إنْ " التي تفيد الشك في وقوع الشرط، للإشارة إلى أن علمهم كلا علم؛ لأنهم يعملون بنقيضه.
ولقد بين اللَّه تعالى إجابتهم، فقال:
(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)
السين لتأكيد القول، أي سيكون جوابهم حتما: للَّه، لما ذكرنا من أنهم يعلمون أن خالق الكون كله بما فيه ومن فيه هو اللَّه تعالى لَا ريب عندهم في ذلك، ولكنهم يفصلون النتيجة عن مقدماتها، فعلمهم بالخالق كان يوجب عليهم ألا يعبدوا غيره؛ لأن العبادة نتيجة الخلق والتكوين، ولذا قال تعالى: (قُلْ) والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (أَفَلا تَذَكَرونَ) (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي لترتيب التذكر على إيمانهم بأن اللَّه تعالى خالق الأرض ومن فيها، أي إذا كنتم تعلمون هذا وتؤمنون فألا تذكرون، والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، أي أنهم في الواقع لَا يتذكرون، ولا يربطون المقدمات بنتائجها، والذكر هو إدراك موجبات العقل، والحقائق التي تؤمن بها القلوب.
وقد أمر اللَّه تعالى نبيه أن يسألهم في أمر كوني آخر.

الصفحة 5108