كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)
هذا إضراب انتقالي، انتقل اللَّه بهم من المجاوبة التي تكون بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يوجه أنظارهم إلى ما ينبئ عن الحق وهو الوحدانية، يأخذها من نتائج ما يقولون، وإذا كان الأمر كما يقول المناطقة: النتائج متضمنة في مقدماتها، وما البرهان إلا كشف ما تطويه المقدمات من نتائج، فعلمهم بأن الكون كله مخلوق للَّه تعالى متضمن وحدانيته تعالى في العبادة.
الإضراب الانتقالي هو الانتقال من المجاوبة إلى تقرير الحق مبينا بطلان ما يدعون بطريق إثبات بطلانه في ذاته، وبيان صحة نقيضه، قال تعالى:
(بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ)، أي بالأمر الثابت الذي لَا يتطرق إليه الريب، (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) جعل وصفهم بالكذب المستمر مقابلا للحق الذي جاءهم اللَّه تعالى به؛ لأن الكذب إذا مردت عليه النفس فسدت، وصارت لَا تفرق بين باطل وحق، إذ تكون نفسه غير مؤمنة، لأن الإيمان تصديق دماذعان، فلابد من الصدق لكي يكون الإيمان، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابا " (¬1).
ولقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإيمان والكذب نقيضان لَا يجتمعان، فقد سئل أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: يكون، أو يكون المؤمن جبانا؟، قال: نعم يكون، وسئل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لَا يكون المؤمن كذابا " (¬2).
ولذا كان حقا أن يقابل الحق الذي يجيء به اللَّه تعالى ويتأكد كذبهم، وقد أكد اللَّه تعالى بـ " أن " المؤكدة، وباللام، وبالوصف، بأنهم من شأنهم الكذب، وبالجملة الاسمية.
¬________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) نْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: «أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا»؟ فَقَالَ: «لَا». . رواه مالك في الموطأ - الجامع (1571).

الصفحة 5111