كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

والثاني - أن يكون بينهما التعالي، فلا يكونان في قدرة واحدة، بل يكونان على أقدار مختلفة، وفرض التساوي في القدر ينتهي إلى أن يكونوا كشخص واحد أو كإله واحد، والواحد ضد التعدد، فلكي يستقيم فرض التعدد لابد أن يفرض أن بعضهم يعلو على بعض، وذلك يؤدي إلى التنازع، وهذا يؤدي إلى الفساد، كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22).
وقال في هذه الآية، (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، أي تقدس سبحانه وتعالى " ما " يصح أن تكون موصولا حرفيا، ويصح أن تكون موصولا اسميا، وعلى الأول يكون المعنى تقدس اللَّه تعالى وتنزه عن وصفهم له بأن له شريكا أو اتخذ ولدا، وعلى الثاني يكون المعنى تقدس اللَّه عن الذي يصفونه به وهو أن له شريكا، والمؤدى واحد.
وقد بين سبحانه ما يؤدي إلى نزاهته نزاهة مطلقة، فقال عز من قائل:
(عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)
وقدم الغيب على الشهادة؛ لأن العلم بالغيب أبلغ في الدلالة على وصف العلم من الشهادة، وقال تعالى: (عَالِمِ الْغَيْبِ) من غير التعدية بالباء، للإشارة إلى أنه يعلم الغيب كله لَا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، لَا في الغيب ولا في الشهادة، ومن كان كذلك فهو كامل الوجود، ليس له شبيه، ولا مثيل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فتعالى اللَّه عما يشركون، أي فتسامى سبحانه عن أن يشركوا به شيئا، و (ما) موصول حرفي، أي تعالى اللَّه عن إشراكهم به، ويصح أن تكون موصولا اسميا.
* * *

الصفحة 5113