كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

لتوكيد " ما " والجواب محذوف لتذهب النفوس فيه كل مذهب، وفي ذلك إشارة إلى هوله وأنه لَا تكتنه العقول كنهه، و (ما) في قوله تعالى: (مَا يُوعَدُونَ) ما هنا موصولة بمعنى الذي، وإن اللَّه تعالى وعدهم بالعذاب في الدنيا والعذاب في الآخرة، أما في الدنيا فالنصر الذي وعد اللَّه تعالى به نبيه الأمين، والذي كان له فيه الغلب، وكان النصر حليفه دائما ولم يهزم ولا في أحُد، وأما عذاب الآخرة فهو الجحيم خالدين فيها، وبئس المصير.
(رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)
ضراعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - اتجه بها إلى ربه بأمر ربه، و (الفاء) تفصح عن شرط مقدر، وتقدير القول إذا كان ما يوعدون به من هذا الهول الذي لَا يُكتنه، ولا يقدر قدره من العذاب، فلا تجعلني فيهم، وأظهر في موضع الإضمار لإثبات ظلمهم، وأن ذلك العذاب هو بسبب ذلك الظلم، وهذا النص يتضمن براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون ظالما، وأن يكون من الأقوام الظالمين أو في صفوفهم، فإن الرضا عن الظلم كالظلم، وإن كان دونه جزاء.
(وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
يبين اللَّه تعالى أنه سيُرِي رسوله، ما وعد به الكفار من عذاب في الدنيا بالغلب والانتصار، وفي ذلك تبشير وإنذار، تبشير للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ما يعدهم من عذاب على أيدي المؤمنين، وأن اللَّه تعالى قادر على أن يُريه لنبيه في حياته قبل أن يمضي لربه، وقد أكد سبحانه وتعالى قدرته على أن يريه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الدنيا أكدها اللَّه سبحانه بالجملة الاسمية و " إنَّ "، وإضافة الأمر إليه سبحانه بضمير المتكلم العظيم المعظم، وثانيا باللام، وبالوصف بقادر. سبحانه وتعالى.
ولقد أمر الرسول إلى أن يريه عذابهم، ويحين حينه، ألا يكون غليظا فيهم، بل يدفع بالتي هي أحسن، حتى لَا يشمس نفوسهم، بل إن التبليغ يوجب عليه أن يدنيهم، ولو كانوا مناوئين، ولذا قال الحكيم العليم:

الصفحة 5115