كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ْ
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
وقد بين اللَّه تعالى لنبيه أنه في سبيل التبليغ لَا يدفع السيئة بسيئة مئلها، بل يأخذهم بالصفح، والتجاوز عن الإساءة في سبيل دعوة الحق والإيمان، فقال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) السيئة مفعول، (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، أي الحال التي تكون أحسن الردود ردا مدنيا مقربا، وليس جافيا مبعدا، والتعبير بـ أفعل التفضيل معناه أن يتخير خير ما يدفع به سفه القول، وحمق الفعال من سخرية واستهزاء وتهكم بدعوته، وبالذين معه من ذكرهم بالسوء وإيذائهم وتعذيبهم، ورد الإساءة بالأمر الحسن فضيلة ذوي السلام من الرجال الصابرين، وقوله تعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفونَ)، أي نحن نعلم علما ليس فوقه علم بالأوصاف التي يصفونك بها أنت وأصحابك، فلا تأخذك هذه الأوصاف إلى أن تعاملهم بمثلها، إنك جئت هاديا داعيا إلى الحق ومرشدا، وما جئت مجافيا ولا معاديا، وبالرفق تدنيهم وبالجفوة والغلظة تقصيهم، فألفهم، ولا تخاصمهم، وأحمق الدعاة من يوجد خصومة بينه وبين من يدعوهم، فتثور أعصابهم لتقاوم دعوته، وقد بين سبحانه أن مغاضبة من يدعوهم من همزات الشياطين، فقال:
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
يأمر اللَّه تعالى نبيه بأن يلجأ إليه، ويعوذ به من همزات الشياطين، وأن يحضروه في معالجة الدعوة الخالصة للَّه تعالى، وتبليغ الرسالة الإلهية إلى خلقه، والهمزة: هي النخسة التي تكون من وراء، واللمزة هي النخسة التي تكون من الأمام، وهمزات الشيطان هي سورة الغضب وحدته، ونسبت إلى الشيطان؛ لأنها تكون من غير الحكمة، وأمر اللَّه تعالى نبيه بأن يستعيذ من همزات الشياطين هو أمر له بأن يدرع بالصبر وألا ينساق وراء الغضب من أفعال من يدعوهم، بل يسايرهم ويلاينهم ما لم يكن في ذلك ضياع حق أو علو بالباطل، فالأمر بالدعاء بالالتجاء إلى اللَّه من همزات الشياطين، أمر له عليه الصلاة والسلام بأن يتئد، ويدعو

الصفحة 5116