كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)
الفاء للإفصاح أيضا، وقد صور اللَّه الأعمال بأنها كالمحسوسات توزن فإن كانت جيدة يقبلها الله تعالى فإنها تكون في الميزان وتنخفض كفتها لثقلها، وإن ذلك تصوير للأعمال الراجحة المقبولة التي كانت مع الحق، ونفعت الناس، وكانت صالحة، وهذا تأويل حسن للميزان، بأنه تصوير دقيق للعدالة الربانية التي لَا تبخس الناس أشياءهم، ولا تنقص الناس أعمالهم، والسلفيون الذين لَا يؤولون، ولا يفسرون ويقولون: إنه يكون يوم القيامة ميزان حقيقي توزن به الأعمال.
وقد قال تعالى في جزاء الذين يقبل اللَّه أعمالهم، ويكافئهم عليها (فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الإشارة إلى ذوي الأعمال الطيبة التي عرفت بالميزان أو كان ذكر الميزان تصوير للعدالة ودقة الحساب، أي أولئك بسبب هذه الأعمال، والإشارة إليهم موصوفين بعملهم هم المفلحون أي الفائزون بالجنة ونعيمها، ورضوان اللَّه تعالى، وهو أكبر، وفي الكلام قصر، أي هم الفائزون وحدهم، ولو كانوا في الدنيا ضعفاء، وأرقاء ومساكين، وغيرهم عتاة مستكبرون، وقد دل على القصر تعريف الطرفين فإنه يفيد القصر، على ما هو معروف في علم البيان، وقد تأكد القصر بضمير الفصل، و (هُمُ).
هذا جزاء من ثقلت موازينه، أما من خفت موازينه، فقد قال سبحانه فيه:
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
وإن ذلك تصوير لعدل اللَّه تعالى الذي لَا يظلم أحدا، فهو كالميزان الذي توضع فيه الأعمال، فلا يظلم أحد شيئا، أو يكون ثمة ميزان حقيقي، كما يقول السلفيون الذين يقولون: إن السلف لَا يؤول، ولكن يفوض، ويقول ثمة ميزان يناسب اليوم الآخر، وقد ذكر اللَّه تعالى لهم عقابهم، وهو مكون من ثلاثة:

الصفحة 5120