كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وأضاف سبحانه وتعالى الآيات إلى ذاته العلية؛ لأنها آياته إذ هو كلام اللَّه تعالى، وهو تشريف لها، وبيان عظم جرمهم في تكذيبهم، إذ يكذبون اللَّه سبحانه وتعالى، وقوله تعالى: (فَكُنتُم) و (الفاء) للترتيب والتعقيب، أي فكنتم فور تلاوتها تسارعون بالتكذيب من غير تأمل وتدبر، وإنهم يكذبونها ويكذبون النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إقامته الحجة، وعجزهم عن أن يأتوا بمثله، ويكذبون اللَّه تعالى منزل الخلق، والذي خاطب خلقه، وعدَّى التكذيب بالباء للإشارة إلى أن موضوع التكذيب آيات اللَّه، أي أنهم كذبوا النبي، وكان موضوع تكذيبهم آيات اللَّه تعالى خالق كل شيء.
وقد أجاب المشركون يوم القيامة:
(قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
قالوا يوم القيامة عارفين ربهم مخاطبين له بلفظة: (رَبَّنَا) إذعانا لمعنى الربوبية الذي كانت أعمالهم منكرة له، والشِّقوة بكسر الشين كرِدة، معناها الشقاوة والشقاء وهو ضد السعادة، ولعل المراد بالملاذ والأهواء والشهوات الجامحة فهي التي غلبت عليهم وأنستهم أنفسهم والحق، ويكونون قد عبروا عن المسبب وأرادوا السبب على سبيل المجاز المرسل، وكأن المعنى سيطرت علينا ملاذنا التي أدت بنا إلى هذا الشقاء، وقد صرحوا بذلك وبانها أدت بهم الشهوات إلى الضلال فقالوا: (وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ)، أي استمررنا ضالين؛ لأن " كان " تدل على الاستمرار، أي عشنا حياتنا كلها ضالين الحق مجانبين الصواب، وذكر (قَوْمًا) للدلالة على أنهم تعاونوا على الإثم والعدوان، وقاوموا الحق، وضلوا مجتمعين.
أقروا بضلالهم، ولكنهم حسبوا أنهم إن عادوا أصلحوا من أمرهم، قالوا:
(رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
ابتدءوا متضرعين متقدمين في ندائهم بالربوبية الكالئة معترفين (أخرجنا منها) الضمير يعود إلى الجحيم، على ألا يعودوا إلى ما كانوا عليه من كفر وفساد في الأرض، وخروج عن كل جادة مستقيمة (فَإِنْ عُدْنَا)، أي إلى ما كنا عليه من شرك

الصفحة 5122