كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وعصيان، (فَإِنَّا ظَالمُونَ) الفاء واقعة في جواب الشرط، حكموا على أنفسهم بأنهم يكونون ظالمين، أي يكون الظلم وصفا مستمرا لهم، وكأنَّهم يومئون إلى أنهم لم يكونوا ظالمين من قبل، أو كأنهم لم يعدوا الإعلام السابق عن طريق النبيين ليس معدودًا في الإعلام، وكأنَّه لَا إعلام إلا بالعذاب، وقال تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ. . .).
أجابهم اللَّه في ذلك بقوله:
(قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
القائل كما يظهر من ثنايا القول هو اللَّه جل حلاله، (اخْسَئُوا) أي ابعدوا (وَلا تُكَلِّمُونِ)، ياء المتكلم محذوفة والمعنى " لا تكلموني "؛ وذلك لأن كلام اللَّه تعالى منزلة من الرضا لَا يصل إليها إلا الأبرار المتقون الذين يكلمهم اللَّه وينظر إليهم ويزكيهم، أما هؤلاء فهم مطرودون من رحمته محرومون من رضاه، وذلك رد عنيف لطلبهم أن يخرجوا كأنهم يخدعون ربهم، وحالهم في الدنيا كاشف، وقد كانوا يتضرعون في الشديدة فإذا عادوا كأن لم يتضرعوا من قبل.
وقد ذكر سبحانه أسوأ أحوالهم، وهي السخرية ممن يتضرعون إلى اللَّه تعالى، فقال:
(إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
وإن الله تعالى ليذكرهم بأعمالهم مع المؤمنين الذين كانوا يضرعون إلى الله تعالى، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، فيقول: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ منْ عِبَادِي) هذه الجملة في مقام التعليل لإبعاد المشركين وطردهم، ومنعهم من الكلام معه، أي أنه سبحانه وتعالى يعاملهم يوم القيامة بهذه المعاملة البعدة الطاردة جزاء وفاقا لما كانوا يعملونه مع المؤمنين، والفريق من عباده هم فريق المؤمنين الذين كانوا يؤمنون به وبرسله ويضرعون إليه، يقولون: (رَبَّنَا آمَنَّا)، أي صدقنا وأذعنَّا، وصرنا ممن اتبعوا رسولك، (فَاغْفِرْ لَنَا).

الصفحة 5123