كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وشأن المؤمن الضارع أن يحسب أن ذنوبه قبل حسناته، فيطلب الغفران قبل طلب الجزاء على الطاعة؛ لأنه يحس أنه لم يقم بحق اللَّه تعالى عليه، حتى يطالب بحق له، (وَارْحَمْنَا)، أي امنن علينا بدوام الهداية، وأدخلنا في رحمتك، دعوا اللَّه تعالى أن يرحمهم ولم يدعوه بأن يكافئهم، بل يحسبون كشأن الأبرار أن ما كان يجزيهم به من خير فهو فضل رحمته ورضوانه، ولا يحسبون أنهم عملوا ما يستحقون عليه جزاء، (وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)، أي وأنت الذي ترحم رحمة ليس فوقها رحمة يا رب العالمين.
ماذا كان لقاء المشركين لهؤلاء المؤمنين؛
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
الفاء للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كانوا على هذه الضراعة، فلم يقتدوا بهم ويأتسوا، بل اتخذوهم سخريا. . قرئ بضم السين، وقرئ بكسرها (¬1)، وفرق بعض اللغويين بأن القراءة بالضم معناها التسخير، وبالكسر معناها الاستهزاء، ولا يعرف هذه التفرقة الخليل بن أحمد ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء بل هما لغتان بمعنى واحد، ولقد كان المشركون يسخرون من الذين آمنوا، وقوله تعالى: (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي)، أي أن هذه السخرية جعلتهم لَا يلتفتون إلى معاني الذكر الحكيم، ولا يتدبرون آياته، ولا يعتبرون بعبره، وإنه بسبب هذا كله ينسون ذكر اللَّه تعالى فلا تمتلئ قلوبهم به، ولا يخشونه، (وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ)، أي كنتم أيها المشركون الساكنون في جهنم تضحكون منهم، والضحك يميت القلب، ولا تكون معه عبرة ولا استبصار.
¬________
(¬1) قرأها بضم السين: نافع وأبو جعفر، وحمزة والكسائي وخلف، ووافق أبو يزيد (عن المفضل عن عاصم) - جبلة، وقرأ الباقون بكسر السين. غاية الاختصار: 2/ 485.
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
قرئ بفتح همزة (أن) (1) وتكون مجرورة بلام محذوفة، والمعنى إني جزيتهم

الصفحة 5124