كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

إن هذه الدنيا مع أدوارهم فيها من أجنة في الأرحام إلى الخروج من بطون أمهاتهم أطفالا فشبابا فكهولا يكون الإحساس بها، كأنها يوم أو بعض يوم؛ ولذا يسألون يوم القيامة عن مدة مكثهم
(قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ)، أيَّ مدة بقيتم في الأرض قد اتخذتموها مهادا وفراشا وأفسدتم بها مما أفسدتم، وعادين ذلك بالسنين (عَدَدَ سِنِينَ) هذا بيان لأصل الاستفهام بعد نوع إيهام، أي كم لبثتم من عدد السنين، فالسؤال عن عدد السنين، لَا عن عدد الشهور والأيام؛ لأنهم في ذلك الوقت يكونون قرب الخروج من أرحام الأمهات أطفالا، فالسؤال عن وقت وعيهم وهو يكون بالسنين.
وقد أجابوا: بأنهم مكثوا يوما أو بعض يوم، لأنهم كانوا فيها يتمتعون ويرتعون في الحرام فكانت قصيرة في نظرهم، ولذا قالوا:
(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
(الفاء) للإفصاح، أي أنهم يجهلون عدد السنين فلا يستطيعون الإجابة، وأحسوا بأن الذي يسألهم عنده وسائل المعرفة، وعده عليهم من سنين حياتهم في الدنيا، كما أحصى أعمالهم، ووجدوها محضرة، فمن أحصى الأعمال لابد أن يعرف عدد السنين؛ ولذا (فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ)، أي الذين من شأنهم أن يعدوا ويحصوا.
وقد أكد سبحانه أنهم ما لبثوا إلا قليلا، والقلة بالنسبة للآخرة، ولذا قال عز من قائل:
(قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
(إِن) نافية، أي ما لبثتم إلا زمنا قليلا؛ لأن الدنيا متاع قليل غير باق، والآخرة خير وأبقى، فمهما تطل الآجال في الدنيا فهي فانية، والفاني قليل إذا وزن بالباقي الذي لَا يفنى، وذلك ما لم يكونوا يعلمونه إذ كانوا يقولون ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما نحن بمعوثين؛ ولذا قال تعالى: (لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، أي لو ثبت وقَرَّ في نفوسكم أنكم كنتم تعلمون حقيقة هذه الدنيا، وأنها معبر طال

الصفحة 5126