كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ)، أي يعبد مع اللَّه إلها آخر بزعمه من بشر أو حجر " لا برهان له به " أي بعَدِّه إلها، أو باستحقاقه لصفة الألوهية، فالضمير في (بِهِ) يعود على (إِلَهًا آخَرَ)، ونفي البرهان يقتضي أولا أنه لَا برهان على وجوده بحيث يكون نافعا ضارا، وينفي ثانيا: استحقاقه للعبادة، لأن من يعبده أعلى تكوينا منه في كثير من الأحيان، فالإنسان يعبد حجرا، وهو يسمع ويبصر، والحجر لَا يسمع ولا يبصر ولا حياة فيه، بل هو جماد، وإذا كان لَا برهان يسوغ عبادته، فإنما الوهم لَا العقل هو الذي سهل هذه العبادة، وقال تعالى في جواب الشرط: (فَإِنَّمَا حِسَابُه عِندَ رَبِّهِ) (الفاء) واقعة في جواب الشرط، (إنما) للحصر، أي لَا يحاسبه إلا ربه، وفي ذلك إنذار شديد بالعقاب الأليم فحسابه عند ربه الذي خلقه، وقام عليه، وهو القاهر فوق عباده، ثم قال تعالى: (إِنَّه لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) وهذه الجملة في بيان نتيجة الحساب وهو أشد العقاب، والضمير في (إِنَّهُ) ضمير الشأن، أي أن الحال والشأن لا يفلح الكافرون لكفرهم، ولن يغني عنهم شيء.
(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يطالبه بأن يدعو ربه ضارعا إليه بالغفران والرحمة فهو (خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي الرحمن الذي لَا يصل إلى رحمته أحد وقد طلب أن يغفر من غير ذكر المغفور له، وطلب أن يرحم من غير ذكر من يُرحم، وذلك لشمول من يطلب الغفران لهم، والرحمة لهم، فهو الغفور الرحيم الذي سبقت رحمته عذابه، وفى ذلك الطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - تصفية لنفسه من شوائب الحقد، والحسد، ليدني من يدعوهم، ولا يجافيهم، فإن الجفوة تبعد، والرحمة تقرب، إن اللَّه غفور رحيم.
* * *

الصفحة 5129