كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وذكر النساء وحدهن، وإن دخل الرجال بحكم قانون المساواة؛ لأن المحصنات يصيبهن ضرر الرمي بالزنا أكثر من الرجل بحكم العرف في الدنيا؛ ولأنها موضع الأمانة الربانية، فصيانتها أوجب، ورميها يكون أشد، ولأن أول رمي كان لأطهر نساء قريش - بعد فاطمة - زوج محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت أبي بكر الصديق، فكان ذكر النساء أولا.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) لم يقل بالزنى، بل لم يذكر المرمى به تحصنا وإبعادًا لألفاظ الشين عن المحصنات الطاهرات العفيفات، وقوله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)، الفاء هنا كفاء الشرط لتضمن الموصول معنى الشرط، وفيه مع ذلك إشارة واضحة إلى أن رمي المحصنات هو سبب هذا الحكم القاسي، والإحصان يتضمن معاني ثلاثة: أولها: الإسلام، فلا إحصان لغير مسلم ولا مسلمة، وثانيها: الحرية فلا إحصان لعبد، ولا لأمة، وثالثها: ألا يقع في زنى من قبل، أو يكون قد دخل في عقد فاسد بشبهة تسقط الحد، ولا تمنع بقاء وصف الزنى كالعقد على المحارم ونحوه مما هو مفصل في كتاب " الزواج "، فليرجع إليه (¬1).
والعقوبات ثلاث كما أشرنا:
الأولى: الجلد ثمانين جلدة، ووضحنا المعنى في التعبير بقوله (فَاجْلِدُوهُمْ) من حيث إن المراد ضرب يؤلم الجِلْد، فلا يكون ثمة حاجز يمنع إيلام الجلد كحشية أو نحو ذلك، وهذه عقوبة بدنية تصيب البدن وتؤلمه، وإذا كانت هذه عقوبة ومن قبل عقوبة الزانية فيها قسوة، فإنها رحمة بالجماعة المؤمنة من أن يفشو فيها الزنى، ويشيع، وفي ذلك فتنة وخراب وفساد كبير، وضياع للأمم، وللنسل، وخيانة للأمانة التي أودعها الله أصلاب الرجال، وأرحام النساء.
الثانية: إهدار أقوال القاذفين بألا تقبل لهم شهادة في قضاء، وهذا قوله تعالى: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) والأبدية توجب ألا تقبل لهم شهادة مطلقا: تابوا أو لم يتوبوا، وهذا ما قرره الحنفية وأكثر الفقهاء، وقرر الشافعية أن التوبة
¬________
(¬1) ارجع إلى كتاب " عقد الزواج وآثاره " للإمام محمد أبو زهرة.

الصفحة 5145