كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

والإفك هو الكذب، كأن الكاذب صرف عن الحق إلى الباطل، لأن الإفك أصل معناه الصرف. كأن الأفاك يرى الحق واضحا بينا، فيعدل عنه إلى قول الباطل وينصرف إليه، وكذلك الأمر بالنسبة للإفك على عائشة، بين أيديهم أمارات الحق واضحة بينة فينصرفون عنها إلى الباطل الذي لَا ريب فيه.
والعصبة: الطائفة المجتمعة التي يشد بعضها بعضا، وكأنهم جماعة يتآمرون فيما بينهم على قول الباطل وترويجه وإشاعته، وقوله تعالى: (مِّنكُمْ)، إشارة إلى أنهم يعيشون بينكم، وأنهم يتغلغلون في أوساطكم، وحسبك أن مسطحا هذا له بالصديق قرابة، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يعطيه من فضل ماله، كما تبين ذلك عند الكلام في معاني قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. . .).
وقال تعالى: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) نفَى الله تعالى أن يكون شرا، ونهانا عن أن نظن أنه شر، وقرر مؤكدا أنه خير لكم، وهنا نسأل ما وجه الخيرية لكم، وقرر الله تعالى أنه خير لكم، أي أنه ليس خيرا في ذاته، ولا يمكن أن يكون خيرا في ذاته، ونهى عن أن يظن المؤمنون أنه شر لهم، فالشرية والخيرية بالنسبة لجماعة المؤمنين في عاقبة هذا الإثم ونتائجه، وإن نظرنا هذه النظرة، نجد أن المؤمنين أدركوا أولا: أن فيهم خُبْثًا يُحترس منه، ومعرفة الداء الذي يكون في الجسم لعلاجه خير من إخفائه أو الجهل به، وثانيا: لأن هذا الداء لحق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعالجه بدواء من الله، إذ ناله في الألم ما ينال البشر في هذه الحال، ولكنه صبر على الأذى، وعالج الأمر بالحكمة والروية، لَا بالغضب والتسرع، نعم إن الاتهام سبق إلى نفسه، ولكن لم يسبق بالعمل استجابة للغضب من غير تثبيت واستيقان.
وثالثا: أنه لَا يصح الإفراط في الغضب، حتى تنحل قوى النفس، ورابعا: أنه لا يصح أن تتخذ مجالس السمر للحديث في الأعراض، واتهام الأبرياء والبريئات الطاهرات من النساء، وخامسا: أنه لَا يصح أن يتلقى العلم في الأعراض عن

الصفحة 5154