كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ِأولاهما: في قوله تعالى (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ) فالتعبير (بِأنفُسِهِمْ) يضير إلى الأخوة الإسلامية الرابطة التي تجعل إشاعة السوء عن بعضهم إشاعة عن جميعهم، وتوهين للرابطة التي تربطهم، وإشاعة السوء تنبعث من تفكك في بعض الجماعة وتنتهي إلى تفككها كلها، وتذهب بالذمار الخلقي فيها.
الثانية: ذكر (الْمُؤْمِنَاتُ) مع أن كل حكم أو أمر يعم المؤمنين والمؤمنات من غير نص على المؤمنات، ولكن نص على المؤمنات هنا؛ لأن النساء كثيرا ما يقعن في هذا النوع من الغيبة من غير احتراس ولا تحفظ، ألم تر إلى أن حمنة بنت جحش وقعت في إشاعة هذا الإفك تحسب أن في ذلك ما يرضي أختها أم المؤمنين زينب، وهذه كانت برة تقية، كانت تنفي عن عائشة ولا تقر كلام أختها، بل ترده، وبالتعبير بالوصف في المؤمنين والمؤمنات يشير - سبحانه - إلى أن الإيمان يقتضي ذلك، والله على كل شيء شهيد.
بعد هذا بين - سبحانه - طريق التثبت لأهل الدين والتقوى فقال تعالى:
(لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)
(لَوْلَا) للحض كالسابقة، والحض حض على التثبت في القول، ولا يقبله المؤمن والمؤمنة، إلا أن يكون مثل الشمس وضوحا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لشاهد جاء يشهد: " على مثلها فاشهد " وأشار إلى الشمس في رائعة النهار (¬1).
وإن التثبت يكون بأربعة شهداء، فالحض على التثبت، وليس على جمع الشهود ليشهدوا، فإن ذلك لَا يخلو من إشاعة للفاحشة، وقد دل الحض على
أمرين:
أولهما: أنه لَا يصح التكلم إلا إذا جاءوا بأربعة شهداء يشهدون، فإنه في هذه الحال يحل التكلم؛ لأنه سيقام الحد ويشهد عليه طائفة من المؤمنين.
¬________
(¬1) رواه أبو سعيد النقاش في القضاة. كنز العمال (17782): ج 1/ 1310

الصفحة 5158