كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الأمر الثاني: أنه لَا يصح المبادرة إلى الكلام، بل يُكفُّ، ويلزم الصمت إذا لم يكن هؤلاء الأربعة من الشهداء، وإلا حق عليه الحد للافتراء، أو كما يعبر الفقهاء حد الفرية، وهو حد القذف، ولذا قال تعالى:
(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) الفاء الأولى فاء الإفصاح أو عاطفة، والفاء الثانية هي الواقعة في جواب الشرط، والإشارة إلى الذين يرمون من غير بينة، وهذه الإشارة تفيد أن هذه الحال سبب للحكم عليهم بالكذب الملازم الثابت فيهم الذي يمنع أن يقبل منهم قول بعد ذلك، وهم الذين يحدون حد القذف كما بينا، ولا تقبل لهم شهادة أبدا؛ لأن وصف الكذب ملازم لهم، ولا تقبل شهادة كاذب، ويعاقب عقوبة المفترين المبعدين، والتبعية، والأدبية، وهي الحكم عليه بالفسق.
والتعدية بـ " على " في قوله تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) معناها إثبات الإفك إذ الضمير يعود عليه، وإثبات الإفك المراد موضوعه، وهو رمى المحصنة الكريمة بنت الكريم وزوج الكريم، وفي ذلك إشارة إلى أنه غير ممكن، فـ " لَوْلَا " تدل مع التحضيض على الاستبعاد، بل الاستحالة لمقام موضوع الافتراء.
وقد بين سبحانه عظم الإثم وضرره في الجماعة المسلمة، فقال عز من قائل:
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)
(وَلَوْلَا) كما يقول علماء اللغة هنا حرف امتناع لوجود، أي امتنع جوابها وهو أنه يمسهم عذاب عظيم لوجود فضل الله تعالى ورحمته، فأما فضله، فهو ما أنعم به عليهم من نعمة الإيمان التي تجعل نفوسهم متأدبة بآدابه آخذة بأهدابه، وأنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فعادوا إلى الحق نادمين تائبين مطهرين أنفسهم وألسنتهم وقلوبهم، وألا يخوضوا من بعد ذلك في حديث، هذا فضل الله تعالى الذي كانوا فيه بنعمة الإيمان، وما كان إنما هو أمر عارض قد زال بهداية الله تعالى،

الصفحة 5159