كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

تفتك ببناء الجماعة الإسلامية التي من شأنها أن تقوم على تقوى من الله تعالى ورضوان، فترديد الاتهام يسهل الإجرام، وليس ذلك شأن الجماعات الفاضلة، وهنا إشارتان بيانيتان:
أولاهما: التعبير (بِأَلْسِنَتِكُمْ) الخطاب للجميع مع أنه لم يردد هذا إلا عدد قد أقيم عليهم حد القذف، وحدوا، ولكن خوطب الجميع للإشارة إلى أن واجب الفضلاء إذا سمعوا لغو القول الجارح أن يوقفوا قائليه ويمنعوهم، فإذا سمعوا ولم يتكلموا ولم يشاركوا فكأنهم جميعا تكلموا.
الثانية: أن قوله تعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهكُم) تفيد أنهم يتكلمون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كقوله تعالى: (. . . يَقُولُونَ بَألْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
بل هي ألسنة تردد قولا لَا علم لهم به، ومآله على جماعتهم وخيم.
وقد بين سبحانه وتعالى ما ينبغي للمؤمن عند تلقيه خبر السوء، فقال:
(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
الواو واصلة الجملتين، وهو امتداد للتوبيخ للذين خاضوا في هذا الإثم، و (لولا) للتحضيض لاتباع ما ينبغي عند سماع قول السوء في أخيه المؤمن، وخصوصا إذا كان من العليين المكرمين عند الله والناس أجمعين: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ) وهذا حض على أن يقولوا هذا القول مؤمنين به (مَّا يَكُونُ لَنَا)، أي ليس لنا، وليس بكائن سائغ لنا (أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا)، وهذا شأن الإنسان المؤمن الكامل، لَا يسمح لنفسه أن يخوض في حديث لا يعلمه، وخصوصا إذا كان يتكلم في الأعراض، عرض أي امرئٍ كان، فكيف إذا كان ذلك في عرض الصديقة بنت الصديق، وزوج خير الخلق أجمعين، ولها مكانة من محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الآية نفي للكينونة (مَّا يَكُونُ)، وهي أبلغ نفي لمثل هذا القول، وأبلغ من النفي المؤكد، وأنه غير سائغ في ذاته لأمرين:
أولهما: تقديس الله تعالى، لتأكيد النفي عن زوج نبيه، ومن لها مكان الاختصاص بمحبة فوق محبة غيرها من أزواجه، وهذا في معنى التعجب من أن

الصفحة 5161