كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)،
ويكون المعنى على ذلك ويبين لكم الآيات، أي ينزل عليكم سبحانه وتعالى آيات مبينة الأحكام الشرعية، والمواعظ الموجهة إلى الخير، والداعية إلى الرشاد، والهادية، وتضمن البيان معنى الإنزال؛ لأن الإنزال من الله تعالى هو بيان الحقائق الإسلامية.
وإن هذه الآيات هي الملائمة الرائدة للجماعة الإسلامية المرشدة لها، التي تتجه بها نحو سيادة الفضيلة، والله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما فيه الخير والرشاد، ولذا عقب الآية الكريمة بقوله عز من قائل (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي أنه - سبحانه وتعالى - ينزل عليكم أنه عالم بكل شيء يعلم ما يسر وما يعلن، وأنه حكيم يعالج آفات الجماعات بحكمته وتدبيره، ويشرع ما هو جدير بعلمه وحكمته، وما يصلح مالهم وعامة أمورهم، ويجعلهم جماعة فاضلة، وأنها خير أمة أخرجت للناس.
وبيَّن سبحانه وتعالى أن الذين يروجون الفساد ويتهمون الأبرار يعملون على إشاعة الفاحشة ونشرها، فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
بين سبحانه في هذه الآية ما يترتب على رمي البرآء، واتهام الأتقياء وخصوصا من لهم مكانة في الإيمان والفضل، وقد بين ما يترتب عليه إشاعة الفحشاء ونشرها بين الذين آمنوا؛ وذلك لأنها إذا شاعت في الأتقياء ذوي المكانة سهل ارتكاب الفاحشة، فإذا تسامع من يكون في قلبه نزغة أن فلانة من أزواج الكبراء، قد ارتكبتها فلا تجد حرجا أو لائمة أن ترتكبها، فكان الذين يلوكون بألسنتهم اتهام أزواج الكبراء قاصدين إليها غير متأثمين من ترويجها يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ لأنهم إذا علموا النتائج المترتبة على قولهم، واستمروا في غيهم، فهم يحبون هذه النتيجة ويسعون بعملهم إليها، وقد ذكر سبحانه ذلك ليعلم العابثون إن استمروا أنهم يحبون هذا الفساد، وقد ذكر سبحانه جزاءهم، فقال:

الصفحة 5164