كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

علينا ببيان شريعته وعفوه عنا، وقد نبهنا إلى مغبة هذا لنرتدع، ونستغفر، ونقلع عن أهواء النفس، ووسوسة الشيطان، ورحمته بنا من أن نؤخذ بجرمنا فور ارتكابه، وإن كنا نستحقه، وأن الله تعالى من صفته أنه رءوف رحيم، الرأفة انفعال النفس بالرفق والعطف على من يخشى عليه، وهذا بالنسبة للإنسان، أما بالنسبة لله تعالى فهي صفة تليق بذاته الكريمة، وهي تقابل ما عند العبيد، ولكنها تتفق مع صفات الكمال التي يتصف بها الله تعالى، والرحمة لطف الله تعالى في الأحكام ووضعها في مواضعها سواء أكانت خفيفة أم كانت غليظة في عقاب، فالعقوبة - مهما كانت شديدة - من رحمة الله تعالى بعباده، وإن رمي الأبرياء من طاعة الشيطان، ولذا قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... (21)
ذكر سبحانه العواقب الوخيمة التي تترتب على ترداد الإفك على ألسنة الناس وإنه يترتب عليه فساد أمر المؤمنين وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وفي هذه الآية يشير إلى أنه من وسوسة الشيطان، ومن اتباع مسالكه، ونهى المؤمنين عن ذلك صيانة لأنفسهم، ولعقولهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا لَا تَتَّبِعوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) تقرأ بضم الخاء وفتحها، وقراءة الجمهور بضمها، وخطوات الشيطان جمع خطوة، وهي ما يكون بين الرِجْلين عند السير، وذلك يتضمن النهي عن السير في مسالك الشيطان، وعبَّر عن طريق الشيطان بخطواته، على أنه تعبير مجازي شبه من يخضع لهواه بمن يتبع الشيطان في خطواته، فيخطو مثله غير متجنب لها، ولا لطريقه.
ثم بين سبحانه سير الشيطان، وأن من يتبعه يتبع الفحشاء والمنكر، فقال عز من قائل: (وَمَن يَتَّبِعْ خطوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) والفحشاء: الأمر الزائد في القبح الذي يتجاوز كل حد، والمنكر: الأمر الذي تنكره العقول، والفطرة المستقيمة، ولا يقبله الناس، ولا يرضاه ذوو الكرامات، والذين يتطهرون في أقوالهم وأفعالهم.

الصفحة 5166