كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

دهاء، ولا مكر، لأنهن لَا يعرفن الأمور ولم يرزن الأحوال فلا يفطنَّ لما تفطن له المجربات العارفات.
وإن الغافلات أيضا لَا ينتبهن لمقالات الآثمين، ولا يعملن على ردها، وسوق الفاسدين إلى القضاء ليقيم عليهن حد القذف، وقذف هؤلاء أعظم جرما، وأدل على اللجاجة في الأذى والاستهتار في القول من غير تأثم ولا تحرج، (الْمُؤْمِنَاتِ)، أي اللاتي يجملهن الإيمان، ويزيدهن عفة فوق عفتهن بالفطرة السليمة النقية الطاهرة، وقد ذكر سبحانه عقاب خسة هؤلاء الذين يرمون المحصنات الغافلات فقال: (لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) أي طردوا ونبذوا في الدنيا، فليس لهم فيها ذكر طيب، ولا كرامة لهم، ولا احترام لخساسة نفوسهم، ولعنوا في الآخرة فهم مبعدون عن رضا الله، وعن أن ينظر إليهم، ولا يكلمهم، لأنهم قد دنسوا ألسنتهم بإشاعة هذا الهجر من القول، (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهو دخولهم في الجحيم.
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
(يَوْمَ) متعلق بقوله تعالى: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، أي أن ذلك العذاب العظيم يكون في يوم لَا يخفى فيه آثم، ويكون كل شيء شاهدا على ما أجرموا، وقد صور الله تعالى ذلك بأن ألسنتهم تشهد عليهم بما اخترصوا فيه، وأرجلهم تشهد بما سعوا فيه بالباطل، وأفسدوا به الناس، وأيديهم تشهد بما بطشوا، وما فعلوا من آثام، وشهادتهم منصبة على ما كانوا يعملون.
هذا كله متعلق بحادث الإفك، ذكر في بعض الآيات ما هو موضوع الإفك حول أم المؤمنين عائشة، وبعضه عام ذكر لمناسبة الحديث عن هذا الإفك الأثيم، ولقد قال الزمخشري رضي الله عنه في هذا المقام ما نصه:
" لو فلَّيت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله تعالى عليها، ولا أنزل آية من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما أنزل فيه عن طرق مختلفة وأساليب مفتنة،

الصفحة 5171