كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وليس معنى التعليق أنهن إذا كن يبغين البغاء يكرهن، إنما الشرط لتحقيق معنى الإكراه، فهو لَا يكون إلا حيث تكون إرادة التحصن وهو توبيخ لمالك الأمة التي تفعل، فهي الأمة تأبى أن تكون بغيا، وهو الذي يريدها بغيا، ويقول سبحانه: (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وعرض الحياة الدنيا هو المال من طريقه الرخيص الذي لا يرضاه، وهو أدنى طريق وأحقره.
ثم يقول تعالى في بيان أن الله تعالى يعفو عن هؤلاء المكرَهات، ويكون إثم الإكراه على مواليهن، فقال: (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، أي إن الله يغفر لهن هذا الذنب الذي كان بإكراه، وقوله: (مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ) للإشارة إلى أن الفعل الآثم يكون من بعد الإكراه وبسببه، فالله يغفر ذلك الإثم، لأنه غفور رحيم.
هذه الأحكام كلها أحكام لصيانة المجتمع الإسلامي وليكون طاهرا لَا دنس فيه، ولصيانة الأسرة، ولصيانة المرأة المسلمة حرة أو أمة، والرجل المسلم حرا أو عبدا، وهي آيات بينات، ولذا قال تعالى:
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
يذكر الله تعالى في هذه الآية أنه أنزل في القرآن الكريم ثلاثة أمور.
أولها: (آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)، أي آيات مبينة للأحكام الشرعية في الأسرة والمجتمع الإسلامي والعلاقات الإنسانية بين المسلمين وغيرهم، ففيها الآيات المكونة للأسرة من زواج وأحكام أولاد، وحقوق للزوجين في أثناء قيام الحياة الزوجية وانتهائها، وحقوق المرأة وحقوق الرجل، ثم فيها ما شُرع حماية للأسرة.
والأمر الثاني: (وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ)، أي من أمثال الذين خلوا من قبلكم، و " مثل " هنا مفرد يدل على الجمع ما دام غير معين، وهو القصص الحكيم الذي كان فيه العبر، كما قال تعالى: (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ. . .).

الصفحة 5191