كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الحضرة الربانية، والله يراه وهو العليم بما في الصدور، وما تخفي الأنفس، وهؤلاء لا تلهيهم مطالب الحياة وغاياتها عن إيتاء الزكاة، وهي التعاون الاجتماعي الذي تقوم على دعائمه الحياة الإنسانية في الإسلام.
وإن الأساس للخلاص الكامل للمؤمن هو الإيمان بالبعث والنشور والقيامة والحساب، فإن ذلك يجعل الإنسان يحس بأن لحياته معنى وغاية، ولم يخلق عبثا أو سدى، بل إن له يوما يحاسب فيه على ما قدم وما كسب، ولذا قال في أوصاف الرجال الذين يعمرون مساجد الله (يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)، أي يخافون يوم الفزع الأكبر، و (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) تضطرب، والتقلب التحول أي بمعنى تتحول وتنتقل من مكانها ثم تعود، وتكون في تحول ثم عودة، وهذا يدل على اضطرابها، وفزعها أشد ما يكون الفزع، وإن تقلب القلوب يكون بين الطمع والخوف، والرجاء والهلع، وتقلب الأبصار يكون بأن تتقلب حدقة العين في الحركة من الخوف، وهذا يدل على فزع واضطراب مستمر، كما قال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ. . .).
والنتيجة لهذا اليوم بينها الله تعالى بقوله:
(لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
هذا الجزاء، هو للذين لَا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى، فمع عملهم الصالح يخافون لقاء الله ويرهبونه استصغارا لأعمالهم الصالحة، وخوفا من هناتهم، وكذلك الطاهرون دائما؛ لأن نفوسهم نظيفة يخافون أن تلوث، كما يخاف اللامس على ثوبه الطاهر؛ لأن أي دنس يشوه منظره، ويقبح مخبره، فالطيب المستقيم على حق دائما، وقوله تعالى: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) اللام هي لام العاقبة، أي لتكون عاقبة هذا اليوم بالنسبة لهؤلاء الأطهار أن يكون جزاء حسنا لأحسن أعمالهم، وجعل سبحانه وتعالى الجزاء لأحسن الأعمال، والجزاء لهم على أعمالهم، وذكر الكلام بهذه الصيغة لبيان أن الجزاء مساو للعمل تماما، والله قد يزيد

الصفحة 5198