كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
* * *
وصف الله تعالى أعمال الذين كفروا الخيرة في زعمهم وضرب لها مثلا، وأعمال الشر من عبادة الأوثان وما يتعلق بها من نيات، وقد قال تعالى في آية أخرى في وصف أعمال الخير في نظرهم، فقال: (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117).
وأن الله تعالى ضرب مثلا في هذه الآيات للأعمال التي يحسبونها خيرا كالعطاء عند الميسر وشرب الخمر، ويبنون عليها طلب الجزاء يوم القيامة، فإذا جاء لا يجدون، فشبهها سبحانه وتعالى بقوله:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) السراب هو ما يرى في اشتداد الحر كالماء ويسرب ويجري كالماء، وهو لَا حقيقة له في ذاته، ولكنه الظمأ يصوره للظمآن كأنه ماء، والقيعة جمع قاع وهو ما انبسط من الأرض لَا زرع فيه ولا شجر، والمعنى أن الذين كفروا يعتمدون على ما يحسبونه خيرا في زعمهم، وهو خير في ذاته كصلة الرحم، ولكن لَا قيمة له لعدم الإيمان، والنية الحسنة، ويحسبون به أنه خير قدموه وهو لَا وجود له، فهو كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، ويسير حتى يجهده السير، ويسير ثم يسير، ويشتد في طلبه حتى إذا جاء إلى ما ظنه عنده لم يجده شيئا، (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ) ليحاسبه أشد الحساب، (فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، أي أن الله موف الحساب من عذاب الجحيم، وقال: (سَرِيعُ الْحِسَابِ) للدلالة على تأكد وقوعه، أنه لَا يتأخر حتى ينسى، ولا يتصور أن ينسى، بل يجيء سريعا مؤكدا ولا يمكن أن يهمل.

الصفحة 5200