كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

المطرْ غيثًا فيه " كرم يغاث فيه الناس، وقد يكون غيثا مدمرا، وصرفا عمن يشاء، قد يكون سببا في القحط، وقد يكون للدمار.
ثم وصف المطر في انهماره بأن يكون فيه برق ورعد، وحيثما كان البرق فإنه يكون الرعد، وقال تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ)، أي أن ضياءه الخاطف يكاد (يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ)، أي يذهبها، وعبر بالباء، للدلالة على أن البريق يأخذ الأبصار مصاحبا لها، فالباء للمصاحبة.
وذكر البرق ذكر للرعد؛ لأن البرق اصطدام سحابتين إحداهما موجبة في كهربتها، والثانية سالبة في كهربتها، فإذا احتكتا تولدت الشرارة فكان البرق، ومن هنا الاحتكاك كان صوت وهو الرعد، وهذا دليل على غزارة المطر، وكثرة انهماره، ثم ذكر بعد ذلك آية أخرى فقال:
(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى قدرته وإنعامه على خلقه بالماء، بين نعمته في الليل والنهار، فقال: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) والتقلب معناه أن يجعل أحدهما في موضع قلب الآخر، وتقليب الليل والنهار يبدو في أمرين:
أولهما: في أن يكون الليل والنهار خلفة، فيكون أحدهما خلفة للآخر، فيسلخ الليل من النهار، والنهار من الليل في نظام مستمر.
ثانيهما: أن يكون النهار أطول صيفا، وأن يكون الليل أطول شتاء، في نظام مستمر لَا يتخلف، قد يفسر العلم ظواهره، ولكن لَا يستطيع تغييره ولا إنشاءه، فالعلم يحصي الوقائع، ولا يوجدها، ذلك تقدير العزيز العليم، ولذا قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) العبرة في مدلولها الخاص بمعنى الاعتبار، والمؤدى لها أن تأخذ من الحاضر المشاهد دلالة على الغائب غير المشاهد، فيأخذ المستبصر من رؤية تقلب الليل والنهار، وانتظامه بإحكام ودوامه دليلا على أن إرادة حكيمة متصرفة تفعل ذلك بتدبير وإحكام، وخص أولي الأبصار بالعبرة؛ لأنهم يدركون

الصفحة 5206