كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

فالإشارة إلى هذا الفريق الذي أظهر الإيمان وأبطن الكفر، نفَى سبحانه وتعالى عنهم الإيمان، وأكد النفي بالباء، لأن الإيمان يقتضي إذعان القلب وتسليم الفؤاد.
(وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
هذا موضع الكشف عن ضمائرهم، وهو الخضوع لحكم الله ورسوله، وإذا دعوا إلى الله ورسوله، والدعوة إلى الله ورسوله، ليحكم بينهم، الضمير يعود عليهم، على أنه ضمير الواحد مع أنهما اثنان الله ورسوله، ولكن لوحدة حكمها، وأنه واحد، عاد الضمير عليهما بالواحد، وذلك كقوله تعالى: (من يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، مع هذا الإيمان الذي أظهروه، والطاعة التي أبدوها يفاجأون بأن فريقا منهم يعرض، فإذا الفجائية تدل على المنافرة الشديدة بين ما يعلنون من إيمان وطاعة، وبين ما يظهر من حالهم من معاندة الأحكام وعدم خضوع لها، ووصف سبحانه إعراضهم مؤكدا له بالجملة الاسمية، وتصديره بكلمة (هم)، ووصفهم بالإعراض كأنه حالهم المستمرة، ولا علاقة بين ما أعلنوا وأظهروا، وبين ما أسروا وأخفوا.
هذا إذا كان الحق عليهم، أو كان مرددا بينهم وبين غيرهم، أما إذا كان الحق لهم، ويطمعون في أن يكون حكم الشريعة لهم فإنهم يبادرون بالخضوع، ولذا قال تعالى فيهم:
(وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
إن كان الحق بحكم الشريعة لهم، يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مذعنين، أي خاضعين له غير مغيرين ولا مبدلين، وكأن الأمر على هواهم إن أيدت الشريعة ما يدّعون خضعوا لها، وإن لم تؤيد ما يدّعون يتولون معرضين، فهم لَا يخضعون إلا لهواهم، وشهواتهم.
وإن الناس الآن، وقد هجروا حكم الشريعة يتنادون بها إن وافقت أهواءهم، وإن لم توافق أهواءهم أبدوا ما زين لهم من قوانين الغرب التي لم تقم على أساس

الصفحة 5211