كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

بأنه رجعي، وأنه يريد أن يعود بالأمة إلى الوراء، ويقولون تقدم الأمة أمامها لا وراءها.
وفى الحق: إننا إذا دعونا إلى تطبيق حكم القرآن والسنة، إنما ندعو إلى الحق في ذاته وإلى العدل، وإن القرآن إذ يدعوهم بالحق والعدل في ذاته الذي لَا يفرق بين الناس، تدعوهم الأمة النصرانية إلى تحكيم الأعراف من غير نظر إلى كونه عدلا أو باطلا، ويقولون بل نتبع أعراف الناس، وما أشبه هذا بقول المشركين، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، وإننا نترك حكم القرآن وهو النور، وهو الحق وهو العدل وهو الفضيلة، وهو حبل الله الممدود إلى يوم القيامة، ونأخذ بالأحكام التي تبيح الزنى وشرب الخمر والربا والسحت، وأكل أموال الناس بالباطل، وأحكام الله هي العدل كما تشهد الفطرة، وكما يشهد الإنصاف. . . نترك الحق ونأخذ بالجبت والطاغوت. . . فهل نحن مؤمنون!!.
إنه لَا قوة لنا إلا إذا كنا عدولا فيما بيننا، ولا نكون عدولا حقا إلا إذا أقمنا كتاب الله وسنة رسوله، وتركنا وراءنا ظهريا تلك القوانين، فهي الطاغوت، وهي والفضيلة نقيضان لَا يجتمعان.
وإن حكم الله تعالى الأخذ به من تقواه، والاعتصام بالعروة الوثقى، ولذا قال تعالى:
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) الواو عاطفة استئنافية، لبيان أن من يتقي الله ويخشاه هو الذي يفوز حقا، ونجد هذا الكلام فيه شرط وجزاء، والشرط مكون من أجزاء ثلاثة بعضها مترتب على بعض. أولها: طاعة الله ورسوله، بامتلاء القلب بالطاعة. بحيث يخضع له ظاهرا وباطنا، ويخضع قلبه مع خضوع كل جوارحه، وهذا هو الجزء الأول، أو النقطة الأولى من الخط المستقيم الذي يبتدئ بالطاعة، وامتلاء القلب، ثم ينتقل من الطاعة الخاضعة الخانعة إلى الخشية، خشية الله تعالى، إذ يعلم ذاته وصفاته، ويمتلئ بهيبته وطاعته، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. . .)،

الصفحة 5214