كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

لا مجال لإنكارها، ولا للتردد فيها، إذ هي قاطعة؛ لأنها ثابتة بالعيان لَا بالقول مجردا، والقسم (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) أي عالم علما دقيقا بمما يعملون، أي بما يستمرون عليه من عمل يتفق مع إيمانهم أو لَا يتفق، وإنه يعلم ما تبدون وما تكتمون، ولا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء.
وننبه هنا إلى أمور ثلاثة:
أولها: أن قوله تعالى: (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) فقوله: (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) هي القسم، وهي تتضمن فعل الشرط، كأنه يوهم إلى أنهم لم يؤمروا مع أن الأمر عام
يدخلون فيه إن كانوا صادقين، وهم كاذبون، كما قال الله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)،
والحديث عنهم بالغياب، لأنه بيان لقولهم وأحوالهم.
ثانيها: الانتقال إلى الخطاب في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا) لمواجهتهم بالأمر والتقصير والنفاق في القول، والفُجر في الأيمان.
ثالثها: أن الضمير في (وأقسموا) يعود إلى المنافقين أو إلى المسلمين عامة وفيهم المنافقون وضعاف الإيمان، ولكن لم يكن من قبل ذكر لهؤلاء إلا المؤمنين.
ونقول في الجواب عن ذلك: إن القرآن كان ينزل في وسط جماعات تدعى إلى الإيمان فلم يكن مفصولا عمن يكونون بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزوله، وقد كانت الآيات ذاتها هي التي تعين مع مواقع الضمير، ففي مكة، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب بالقرآن الكريم المشركين وهم الذين يعاندونه، فكانوا كأنهم حاضرون فيعود الضمير إليهم إذا كان فيه حكاية لعنادهم ومهاتراتهم، فلما انتقل إلى المدينة، فبعد غزوة بدر الكبرى ظهر النفاق، وبدت أنياب اليهود، فكانت المعاندة من المنافقين واليهود، وظهر ضعاف الإيمان الذين يعبدون الله على حرف، فكانت الآيات التي تشير إلى

الصفحة 5217