كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

إجابة للتبليغ، وقيام بحق الطاعة، والإخلاص، وإن لم تقوموا بحق ما حملتم ضل سبيلكم وخاب أمرمكم، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أي أن السبيل لاهتدائكم، ليست الأيمان التي تحلفونها، وإنما السبيل لذلك هو أن تطيعوا بملء قلوبكم، وخضوع نفوسكم، وليس ذلك إلا ما حملتموه، وما على الرسول أن تهتدوا، إنما عليه أن يرشد، ولذلك قال عز من قائل: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)، المبين الموضح للحقائق من غير مماراة، فإن الجدل وراء الجدل ضياع، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وإن وراء الطاعة المخلصة، والجهاد أن تستخلفوا في الأرض، ولذا قال سبحانه:
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
بعد أن هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في جهاد مستمر هو ومن معه من المؤمنين، فبين الله تعالى غاية هذا الجهاد أن يكونوا هم الذين يخلفون الكافرين في السيطرة على الأرض والسلطان عليها، وكما ملئت الأرض فسادا تُملأ إصلاحا.
كان حال المهاجرين والأنصار جهادا مستمرا، لَا توضع سيوفهم في أغمدتها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الحق بلسان الحق من غير إكراه على إسلام، فإنه لَا إكراه في الدين، ولكن كان الجهاد ليعلم الرشد من الغي، ولإزالة المحاجزات التي كان يقيمها المتحكمون في الناس، فما كانت الحرب إلا لإزالة هذه المحاجزات، ولكي يخلو الناس بوجوههم للدعوة الإسلامية، ومن اهتدى بعد ذلك فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) التعبير بالموصول للدلالة على أن الصلة سبب هذا المؤكد، والاستخلاف جعلهم خلفاء، والأرض هي أرض العرب وغيرها من أرض الفرس والروم، وما وراءها من المشارق، والمغارب، والسين والتاء

الصفحة 5219