كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

للطلب، وهما يفيدان تأكيدا؛ لاستخلاف لأن الطلب من الله، وهو لا يتخلف، وتنصرفان إلى التأكيد المطلق، فجعلهم خلفاء في الأرض لمن كانوا قبلهم، فخلفوهم في السيطرة على الأرض، وكمال سلطانهم.
وقوله تعالى: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) اللام تنبئ عن قسم مضمر في القول، فالله وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بسبب إيمانهم، وعملهم الصالح في الطاعات والمعاملات الإنسانية وعدهم سبحانه بأن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من بعد نوح كعاد، وغيرهم خلفاء مسيطرين على ما في الأرض، وقد أكد سبحانه وتعالى وعده بالقسم، وبنون التوكيد الثقيلة، وبالمشابهة بينهم، وبين من سبقوهم ممن جعلهم خلفاء في الأرض.
وإن ذلك تبشير للمؤمنين الذين آمنوا واتبعوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في جهاده، وهو ماض إلى يوم القيامة، وليست الخلافة هي خلافة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنها خلافة الله في الأرض بمقتضى الفطرة الإنسانية التي قال تعالى فيها: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ. . .)، فهي السلطان في الأرض بمقتضى التمكين الإلهي.
ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما إن جاء بدعوته إلى الهدى، حتى كانت مكة كلها تقاومه بكل أنواع المقاومة، ولهاميم (¬1) قريش تأكيد له، ولما انتقل إلى المدينة ليدعو إلى دينه، وقد فشا ذكره في أرض العرب، اضطر للجهاد، وأخذ يشق الطريق للدعوة فكان وعد الله تعالى، وهم في هذا الجهاد، وعد الله بأن يكونوا الممكنين في الأرض، وأن يكونوا مستخلفين فيها، وذلك الوعد يتضمن أمرين أحدهما: نصر مؤزر دائما ما داموا مؤمنين عاملين الصالحات، والثاني: أن يكون لهم السلطان، وأن يكونوا المسيطرين في الأرض، وإن استخلافهم في الأرض كان معه أمور أعزتهم وأعلتهم، ذكرها سبحانه في قوله تعالى:
¬________
(¬1) اللهاميم: جمع اللُّهْمُومُ: الجَوَادُ من الناس والخيل. الصحاح للجوهري: فصل اللام.

الصفحة 5220