كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

والترتيب والتعقيب، قد يقال كيف كان التدمير عقب الذهاب، وقد لبث موسى فيهم يدعو سنين، ونقول: إن الزمن في ذاته لم يكن طويلا، وإن كان عند الناس طويلا؛ ولأن التكذيب يتبعه لَا محالة التدمير.
وذكر القوم، ولم يذكر فرعون مع أنه الرأس الطاغي، ونقول في الجواب عن ذلك، إنه لولا حاشيته وقومه ما طغى وتجبر، وكذلك الشأن في كل طاغية جبار ملؤه هم الذين يقرونه ويشجعونه.
بعد ذلك ذكر سبحانه وتعالى قوم نوح فقال تعالى:
(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)
(وَقَوْمَ نُوحٍ) منصوب بفعل محذوف تقديره اذكر قوم نوح، والرسل هنا يراد بهم نوح - عليه السلام - إذ إنهم كذبوه، فقد كذبوا رسالة اللَّه تعالى إلى خلقه، فكأنَّهم يكذبون الرسل جميعا الذين جاءوا قبل نوح، والذين جاءوا بعده، لأنهم كذبوا أصل الرسالة الإلهية، ولذا كان العقاب بأن استؤصلوا وأنشأ من بعدهم قوما آخرين، وكان ذلك بالإغراق الذي اجتث شأفتهم أجمعين، ولم يبق إلا من آمن بنوح، وما آمن معه إلا قليل، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً)، أي جعلناهم آية معلمة لصدق الرسالة، وهلاك المكذبين الضالين، وقدم للناس على أية إشارة إلى أنه يعتبر بهذه الآية، ومن لم يعتبر فهو لايعد من الناس؛ لضلاله وفساد إدراكه.
(وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا)، أي هيأنا للظالمين بسبب ظلمهم، الذي يشمل الشرك والفساد في الأرض، والاعتداء على الناس، (عَذَابًا أَلِيمًا) أي مؤلما، ففعيل بمعنى اسم الفاعل، كبديعٍ بمعنى البدع، وعبر بالوصف بِالظلم، ليشير إلى أنه سبب العذاب المؤلم.
(وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)

الصفحة 5280